باسم الله الرحمان الرحيم
-عندما يصبح مصدر الخطر هو القانون أي الخطر القادم من القاعدة القانونية-
هذا تطبيق لمثال واقعي لنفهم كيف يقع ذلك:
ينص الفصل 3 – 618 - من القانون رقم 44.00: (يجب أن يحرر عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول لها قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان).
هذا النص إشترك في صياغته أساتذة بارزين، و قد صادق على هذه الصياغة برلمانيين بمجلس النواب هم جهلاء بهذا المجال يتطاولون في مناقشة صياغة القوانين باللجان البرلملنية و هم غير مؤهلين أكاديميا.
بناء على هذه القاعدة القانونية الآمرة يقوم المنعش العقاري بتحايل منه على عدم إبرام العقد فيما بينك و بينه بالشكلية المقررة كما هي واردة في هذا الفصل 3 – 618 - من القانون رقم 44.00، بل يكتفي بتحرير (وثيقة حجز) contrat de réservation أو وصل خال من أي تفاصيل، بينما ينص القانون على أنه يجب أن يحرر عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول لها قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان.
هكذا إذن، إذا ما قمت بمنازعته قضائيا في أي شيئ بعد ذلك كتأخيره تسليمك الشقة أو إستبدالها لك بأخرى أقل إمتياز أو رفضه إتمام إجراءات البيع معك فإنه يواجهك أن الإلتزام المبرم بيننا لا يعترف به القانون و أنه باطل - إذا أقر ذلك أحد طرفي العقد - لأن إسمه ليس (عقد بيع إبتدائي) تم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة يخول له قانونها تحرير العقود ، و إنما هو مجرد (وثيقة حجز) contrat de réservation، فإما أن تخضع لما أقدمه لك ثم نتمم إجراءات تسليم الشقة بإبرام عقد بيع نهائي أو لك أن تنازعني أمام القاضي المسكين الذي ليس له سوى الحكم بالقانون أي الحكم ببطلان العقد الذي بيننا، و هذا في صالحي أنا المستثمر العقاري حيث سأبيع الشقة لغيرك بعد الحكم ببطلان العقد بيننا و أقوم بإبرام عقد جديد مع زبون آخر بثمن أرفع من ذلك الذي إلتزمتُ به معك قبل سنة أو سنتين أو أكثر.
و حتى نأخد الموضوع من زاوية أقرب لكم بعض المقاطع من أحكام قضائية عاشها أناس كانوا ضحية لهذه الفصول القانونية التي صادق عليها ممثلوا الشعب و إستغلها بتحايل و مكر رجال قانون هم ممثلون لشركات عقارية يعتبرون انفسهم رجال قانون نزهاء، عِلَّتهم فيما يقومون به شبيهة بتبرير بعض اليهود و النصارى معاملاتهم التجارية السيئة و الخائنة مع زبنائهم و التي جاءت في هذه الآية الكريمة " :
"لَيْس عَلَينا في الأُمِّيين سَبيل" و هي الآية المرادفة للمبدأ المستمد من القانون الوضعي الذي يقول: "القانون لا يحمي المغفلين"
المحكمة الابتدائية بمراكش بتاريخ 03/03/2011 بخصوص بطلان عقد بيع العقار في طور الانجاز
"..وحيث يتبين مما ذكر أن دفع المدعى عليها غير مؤسس من الناحية القانونية، إذ
أن العقد موضوع الدعوى يخضع لنظام العقارات قيد الانجاز كما هو مفصل
أعلاه، ومن هذا المنطلق يلزم تحرير العقد من طرف مهني تحت طائلة البطلان،
وذلك بناء على الفصل 618-3 من ق.ل.ع الذي يجري سياقه على ما يلي:
"يجب أن يحرر عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الانجاز إما في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة وخول لها قانونا تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان.
وحيث إن طرفي العقد لم يحررا العقد بواسطة مهني. بل أنجزاه بطريقة عرفية، حيث ذيل بتوقيعهما، ومن تم لم يفرغ وفق النظام المحدد له، وهو ما جعله باطلا طبقا لأحكام الفصل المذكور أعلاه، وهذا البطلان مقرر بنص القانوني، وعليه فإن هذه المحكمة تكتفي بمعاينة البطلان كجزاء تشريعي مقرر بقوة النص القانوني نفسه ولا سلطة لها في هذا المجال طالما أننا أمام نص آمر من النظام العام..."
"يجب أن يحرر عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الانجاز إما في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة وخول لها قانونا تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان.
وحيث إن طرفي العقد لم يحررا العقد بواسطة مهني. بل أنجزاه بطريقة عرفية، حيث ذيل بتوقيعهما، ومن تم لم يفرغ وفق النظام المحدد له، وهو ما جعله باطلا طبقا لأحكام الفصل المذكور أعلاه، وهذا البطلان مقرر بنص القانوني، وعليه فإن هذه المحكمة تكتفي بمعاينة البطلان كجزاء تشريعي مقرر بقوة النص القانوني نفسه ولا سلطة لها في هذا المجال طالما أننا أمام نص آمر من النظام العام..."
قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم: 2785/2012 صدر بتاريخ: 23/05/2012 رقمه بمحكمة الاستئناف التجارية3120/2011/10
وحيث إن الثابت من العقد المبرم بين طرفي الدعوى أنه أبرم بشكل مباشر بين طرفي الدعوى دون احترام هذه المقتضيات وأن جزاء هذا الإخلال هو البطلان لتخلف ركن شكلي، أي أن هذا العقد يعتبر معدوما وميتا لا يرتب أي أثر .. وحيث إن البطلان يرجع المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، ويسترد كل متعاقد ما دفعه تنفيذا لهذا العقد الباطل وأنه لا نزاع في كون المستأنف عليها البائعة توصلت بجزء من الثمن من المستأنفة وقدره 639.801,24 درهم وبالتالي تكون ملزمة بإرجاعه للمستأنفة..."
وجاء في قرار محكمة الاستئناف التجارية بمراكش ما يلي:
"..حيث تبين للمحكمة من خلال الاطلاع على وثائق الملف ومستنداته أن اتفاق
الطرفين انصب على عقار في طور الإنجاز وأنه وطبقا لمقتضيات الفصل 618-3 من
القانون 44/00 فانه يجب أن يحرر عقد البيع الابتدائي للعقار في طور
الإنجاز إما في محرر رسمي، أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف
مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة، ويخول لها قانونها تحرير العقود وذلك
تحت طائلة البطلان، ومادام أن العقد أبرم في شاكلة وعد بالبيع والحال أنه
كان أن يتخذ شكل عقد ابتدائي حسب الشروط المبينة في القانون أعلاه سواء
من حيث كيفية أداء الأقساط و التحرير، فإنه يبقى ما انتهى إليه الحكم
الابتدائي غير مؤسس، ويتعين تبعا له الحكم بإلغائه والحكم من جديد ببطلان
عقد الوعد بالبيع المبرم بين الطرفين..."
و الطَّاغوت في الأمر أن المشتري للعقار وهو شخص ضعيف في العلاقة التي تربطه مع الشركة إذا رضخ و رضي بالشروط التعسفية تحت تهديد إصدار حكم بإبطال العقد و قرر مواصلة إتمام إجراءات البيع و تسلم الشقة لا تقر له المحكمة بعد ذلك بإبطال عقد البيع النهائي بناء على نفس الحيثياث إذا قرر رفع دعوى أمامها بإبطال هذا العقد مع الشركة و إرجاع أمواله على أساس أن عقد البيع النهائي المؤسس على عقد بيع إبتدائي لم يحترم المقتضيات الواردة بالفصل 3 – 618 - من القانون رقم 44.00 هو عقد باطل، لأن ما أسس على باطل فهو باطل،
وعلة المحكمة في رفض الحكم بالبطلان هو كون أن العقد النهائي ليس سوى عقد بيع عادي فوري لشقة سكنية جاهزة مستقل بذاته و ليس "عقد بيع نهائي" لذلك لا يمكن إلحاقه بالوثيقة الأولى التي لم تعد حجة لتبرير إقتناء سكن في طور الإنجاز لكونها لم تسمى من جهة ب "عقد بيع إبتدائي" و لا هي محررة بالشكلية القانونية من جهة أخرى،
و لا نعلم كيف سيكون رد المحكمة إذا قام المشتري بالرد على تعليلها هكذا : ( إذا لم يتم إعتبار "عقد البيع النهائي" كذلك قائم على عقد بيع إبتدائي متعلق ببيع عقار في طور الإنجاز فإن الوثيقة الأولى لا تعتبر باطلة في حد ذاتها و لكن هي باطلة في إعتبارها عقد بيع إبتدائي لعدم تحريرها بالشكلية المطلوبة في بيع عقار في طور الإنجاز، أما و أنها أصبحت مؤطرة بالمقتضيات العامة المتعلقة بشريعة العقد طبقا للفصل 230 من قانون الإلتزامات و العقود المغربي و خارج الإطار القانوني للقانون 44.00 فإنه يحق الأخد بمضمونها على أنها و ثيقة إتفاقية قبلية ملحقة بعقد بيع شقة سكنية جاهزة لم يتم الإلتزام بمقتضياتها من طرف الشركة العقارية.)
وقد دأبت معظم مراكز البحث بكليات الحقوق بالمغرب على عدم جواز و ضع فرضيات و مناقشة المبادئ و القواعد القانونية كإشكالية عامة و أساسية بالرسائل و الأطروحات، إذ تعتبر المواضيع التي تبحث في وضع نظريات جديدة كما لو أنك تبحث على غشاء للمنجل و إن و جد له بالفعل غشاء بعدما تحرر البحث الفكري.
فقد لا يسمحون لطالب أمامهم بطرح فكرة تعبر عن وجهة نظره السليمة التي مفادها ان "المدني هو كذلك يعقل الجنائي" مثلما أن "الجنائي يَعْقِل المدني" رغم أنهم يعلمون بعدة قضايا مدنية راجت داخل المحاكم كانت السبب في الإمساك برأوس خيوط جرائم ماكانت لتحل شفرتها لولا ما ثبت في قضايا مدنية أولا.
و قد لا يستوعبون بالمرة أن الدعوى المدنية التي أظهرت في مضمونها :
- أن عدم توثيق العقد وفقا لما هو منصوص عليه في الفصل 618-3 ،
- تهرب الشركة المدعى عليها من إرفاق العقد بالملحقات المنصوص عليها في الفصل المذكور، والتي تشكل قوة إثبات للمشتري ضدها في حال قيام نزاع،
- عدم تنفيذ المدعى عليها العقد في الأجل المتفق عليه،
- عدم احترام المدعى عليها التصاميم المعلن عنها،
- تمتع المدعى عليها بقوة اقتراحية وتفاوضية في العقد مع علمها بأن غالبية المشترين للسكن الإقتصادي يفتقرون للخبرة والثقافة القانونية التي من شأنها أن تمكنهم من استيعاب قواعد ومضامين إبرام عقد بيع العقار في طور الانجاز،
- إيهامهم بأن الطريقة العرفية التي أبرم بها العقد صحيحة وقانونية وتضمن حقوق الطرفين،
هي كلها حيثياث مدنية تَعْقِل جناية التدليس، حيثياث تم إستجلاؤها في دعوى مدنية لو علم بها المقتنون للشقق السكنية ما هم أقدموا عليها و لما أبرموا الصفقة،
ترافعات مدنية كل شهر أمام نفس القاضي يقف أمامه نفس المحامي الممثل لهذه الشركة ليحكم له بإبطال العقد هي سلوكات متعلقة بقضايا مدنية تصح كقرينة على أن القاضي يعلم بتحايل المحامي، قرينة واضحة على أن المحامي يعلم بأن القاضي يعلم أن توثيق العقود بتلك القضية من طرف الشركة كانت بسوء نية.
تكرار نفس الحيثيات في دعاوى مدنية مماثلة لنفس القضية التي نسردها و التي تكون دائما نفس الشركات العقارية طرفا فيها هي دلائل تَعْقِل جناية التدليس و إستغلال نصوص قانونية بسوء نية.
ففي كليات الحقوق بالمغرب كل الطلبة يعرفون أن أسباب تعرض الضعفاء للحيف و الظلم هو عدم توثيق أو تحرير تصرفاتهم من بيع و شراء و كراء .. على وثائق و عقود رسمية قانونية تحميهم في إثبات حقهم عند المنازعة امام القضاء، لذلك حماية لهم يتم صياغة هذه العبارة دائما في القوانيين المغربية التي مضمونها أن الإلتزام الرضائي بين الطرفين يكون باطلا إذا لم يحرر على وثيقة قانونية رسمية، وذلك حتى يكون المكتري للعقار محصنا ضد دعوى مطالبته بالإفراغ من السكن من طرف المكري مثلا، لأن وجود عقد كراء محرر بالشكلية المقررة في القانون يثبت حقه في الإستفاذة من العين المكتراة إذا كان يأدي إلتزاماته، أو عند مطالبة المشتري للبائع بتعويضه عن الضرر أو إرجاع الأموال جراء العيب الخفي الذي كان متواجدا بالبضاعة، حيث لا يمكن الحكم له بالتعويض إلا بوجود عقد شراء محرر بالشكلية المقررة في القانون..،
لكن عقلية المشرع في هذا المجال القانوني المتعلق بإقتناء الشقق السكنية أخطأت . أخطأت لأن عبارة: (..يجب أن يحرر عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول لها قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان.) هي قاعدة قانونية خدمة و حماية للمستثمر العقاري الماكر المتحايل على القانون.
قد لا يسمحون لطالب امامهم بالدفاع عن و جهة نظره السليمة التي مفادها ان حماية المستهلك تقتضي الأخد بالرضائية في العقود المحررة على أي وثيقة عرفية ولو حتى على مجرد وصل مصحح الإمضاء لذى السلطات العامة و ليس دائما إلزامه بإحترام الشكلية في إبرام العقود تحت طائلة البطلان.
لذلك و جب الأخد أمام القضاء بجواز إعتبار الصياغة الواردة بين الطرفين الخالية من عيوب الرضى على أنها صحيحة وملزمة طالما ان نية طرفي العقد قامت على أساس تحرير عقد إبتدائي لإقتناء شقة سكنية و لو تم تحريرها خلافا للشكلية المقررة طالما أنه مشهود على صحة إمضائها لدى المصالح المختصة،
نية المشرع السيئة تتجلى في صياغته لقاعدة قانونية مرت سنين على تطبيقاتها المضرة بالمواطن المسكين دون أن يعمد على تعديلها بحذف إلزامية تحرير العقد في محرر رسمي،
نية المشرع السيئة تتجلى في صياغته لقاعدة قانونية مرت سنين على تطبيقاتها المضرة بالمواطن المسكين دون أن يعمد على تعديلها بمنع شركات الإستثمارات العقارية من تحرير هذه الإلتزامات مع زبنائها على وثائق غير رسمية تحت طائلة ترتيب جزاءات عليها، جزاءات تكون رادعة من قبيل عدم صحة تسجيل عقد البيع النهائي المؤسس على عقد بيع إبتدائي لم يحترم المقتضيات الواردة بالفصل 3 – 618 - من القانون رقم 44.00 لذى المحافظة العقارية و تأسيس رسم عقاري عليه،
نية المشرع السيئة تتجلى في صياغته لقاعدة قانونية مرت سنين على تطبيقاتها المضرة بالمواطن المسكين دون أن يعمد على تعديلها بإلحاق عقوبات مهنية على الموثقين الذين يحررون عقد البيع اللاحق على العقد الإبتدائي الذي لم يحترم الشكلية.