من بين أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شدة تلك
التي تنبع من قناعة روحانية لديانة معينة، ومن بين أكثر انتهاكات حقوق الإنسان
التي يصعب على منظمة الأمم المتحدة التقليل منها أو وضع حد نهائي لآثارها تلك التي
ترسخت لدى مجتمع معين من ثقافة دينية، إذ يسود اعتقاد راسخ لدى من يدين بهذه
الأفعال المتعارضة مع مبادئ حقوق الإنسان بكون حجيته الحقوقية في ممارسة تلك
الشعائر أو اعتماد تلك المناهج الدينية أقوى من منطق مبادئ حقوق الإنسان كما هي
مسطرة لذى منظمة الأمم المتحدة، إذ يعتبر مفهوم الحق هو وجود حق الإله على رأس
قائمة الحقوق.
مصدر الإشكال الأزلي في معرفة المحظور من المشروع،
أن مبادئ الأمم المتحدة تأخذ بظاهر نتائج تلك السلوكات على أرض الواقع، بينما تأخذ العقائد والديانات بروح وبشارات
النبوءات الغيبية المستقبلية.
وعليه تعتبر أي خطوة ناجحة في إنهاء تظلم حقوقي يكون مصدره عقيدة معينة
بمثابة إنجاز كبير يعود أجره للجنود الطبيعيين لمنظمة الأمم المتحدة الذين تطوعوا
بأرواحهم وفكرهم وأموالهم لرصد هذه الانتهاكات البشرية ومعالجتها وديا قبل الانتهاء
بإيجاد سبل لوقفها والحد منها وتحقيق أمن روحي يعيد للبشر إنسانيته.
مفهوم " الحقوق الدينية"
موضوع هذه المقالة حسب وجهة نظرنا الخاصة ليس بمعنى "الحريات الدينية"،
فحريتك في البحث (الألوهي) لاختيار دين تعتنقه هو مبدأ صراع الأديان للفوز بالجنة،
لكن ميزان الحق لدى منظمة الأمم المتحدة يكيل الحرية الدينية بمكيال الحقوق
الإنسانية التي توجد مبادئها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذا العهد الدولي
المتعلق بالحقوق المدنية، إذ يعتبر كل خرق أو عدم احترام بنود قاعدة قانونية دولية
بمثابة انتهاك دولي لحقوق الإنسان وإن كان مصدر ذلك شعائر أو مناهج عقيدة دينية
معينة مترسخة بشكل عميق في الهوية التاريخية للشعب.
كما أن الجدال يكمن في تناقض
النظريات والواقع، فالحرية من الناحية النظرية والدستورية والعالمية لها مكانتها
العالمية، والمشكلة تكمن في التطبيق والواقع، سواء على مستوى نظام الدول التي نادت
بالحرية أو على مستوى الجماعات والأفراد، ونحن لا ننكر أن مشكلة الحرية [بما فيها
الحرية الدينية] تعتمد على تصور الإنسان كائنا اجتماعيا أو جزءا في الجماعة، وهذا
يتطلب خضوعه لبعض القيود والواجبات، وهذا أمر نقره ولا نرفضه، فهو تصور صحيح
للحرية التي لا تبقى ولا تقبل إلا مقيدة بقيود الجماعة.
كما أن مفهوم "الحق الديني"
يمتد إلى حق الدولة في تقرير ما تراه من قوانين داخلية لحماية الهوية الدينية
للوطن، بناء على معيار المصلحة العامة و حفظ النظام العام والأخلاق العامة.
لهذا تستند
السلطات العامة للدول بما هو مقرر في المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،
والفقرة الثالثة من المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية لمنع إقامة شعائر
دينية داخل حدودها الترابية، أو للدِّفاع عن مقررات تعليمية تعتمدها في مناهجها
التعليمية قائمة على معتقدات دينية تعتبر طبقا للشرعية الدولية مخلة بحقوق الإنسان
طبقا للمادة 2 والمادة 18 من الإعلان العالمي والفقرة الأولى من المادة 18 الخاصة
بالعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية بمناسبة دفاعها عن حرية الفرد، هذه الإزدواجية
والتضارب بين أحكام الشرعية الدولية على المستوى النظري سنرصدها على المستوى
الواقعي كذلك.
سنعتمد
في هذه المقالة على تحرير بحث قانوني يستند على منهجية تقوم على المقارنة والتحليل
النظري.
سنركز على التكييف والتفسير الحقوقي المتدبدب
لمنظمة الأمم المتحدة لوقائع دينية متشابهة اعتبرت غير حقوقية، في حين رأت فيها
أطراف اخرى أنها تحترم الشرعية الدولية، مع بيان الآليات الحقوقية المعتمد عليها من طرف
أجهزة الأمم المتحدة لإصدارها قرارات وتوصيات آمرة (المحور الثاني)، على أن نقوم قبل هذا برصد المواد
الخاصة بالحقوق الدينية كما هي واردة في الشرعية الدولية، والتي تستند عليها أطراف
نزاعات حقوق الإنسان، مع تحديد الأجهزة الأممية المشرقة بشكل رئيسي على هذه
التحقيقات الدولية (محور أول) .
المحور الأول: صلاحيات المنظومة الأممية في توجيه السلوك
العقائدي
لم نجد في
مختلف القوانين والأنظمة المدنية التي عرفتها الإنسانية، ما هو أسمى من وثيقة الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان، وما تجسد فيه من احترام وحماية لهذه الحقوق،
لذا سنعرض لأهم مواده الخاصة بالحقوق الدينية، ولمجلس حقوق الإنسان كهيأة مشرفة
على معظم الإجراءات المرتبطة بتنزيل هذه المقتضيات على أرض الواقع (فقرة أولى)،
كما يقصد بالحقوق المدنية والسياسية، حقوق
الأفراد الشخصية، كالحق في الحياة، وفي الأمن، والسلامة الشخصية، وهذه الحقوق
المدنية والسياسية أطلق عليها القانونيين الجيل الأول من حقوق الإنسان.
لدى سنبسط لبعض موادها الخاصة بالحقوق الدينية، ولجهاز المفوضية السامية لحقوق
الإنسان كهيأة عليا داخل الأمم المتحدة مشرفة على جل القضايا الحقوقية المطروحة في
الساحة الدولية.( فقرة ثانية)
الفقرة الأولى: الهيئات الأممية المختصة
أولا: مجلس حقوق الإنسان
مجلس حقوق الإنسان هيئة حكم دولية
داخل منظومة الأمم المتحدة، مسؤولة عن تدعيم وتعزيز جميع حقوق الإنسان، والسهر على
حمايتها في جميع بقاع العالم التي تعرف تواجد سكاني وتختص بمعالجة حالات انتهاكات
حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها، والمجلس لديه الصلاحية لمناقشة جميع القضايا والحالات
التي تتطلب اهتمام على فترات زمنية طويلة، ثابتة أو عابرة.
يعقد المجلس اجتماعه للتداول في شأن القضايا المهمة محط أنظار العالم، والتي
تحال عليه عبر آليات الرصد.
كما تبدو خصوصية المجلس في مجال
حماية الحريات الدينية كون نتائج تقاريره وتوصياته تعتبر شاملة لكل الحالات
المشابهة لتلك الحالة التي تم التداول فيها بشكل خاص، بمعنى أن البحوث و التقارير
التحقيقية الخاصة بإقليم معين تكون التوصيات الصادرة بشأنها والتقارير الختامية
المتعلقة بها ملزمة لجميع الدول التي تعرف نفس الانتهاكات، سواء كانت تلك الدولة
عضو بالأمم المتحدة أم لم تكن، وسواء كانت تلك الدول أحد الأطراف الموقعة على بنود
الإتفاقية التي تدين تلك الأعمال أم لم تكن.
ثانيا: المفوضية السامية لحقوق الإنسان
تكمن أهمية المفوضية السامية لحقوق الإنسان في كونها أقوى جهاز تنفيذي لدى
منظمة الأمم المتحدة، وترجع قوتها ونفاذ قراراتها كونها تحصل عل تفويض ولائي فريد
من مجموعة دول العالم أسند إليها تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها، وتعمل بالخصوص
على رصد مدى امتثال الدول الأطراف للمعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، كما
تشرف وتشارك في الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وتعمل على تنسيق أنشطة الأمم
المتحدة المتعلقة بنشر ثقافة حقوق الإنسان من جهة، والإعلام في مجال حقوق الإنسان
من جهة أخرى.
تعمل المنظمة كذلك على ضمان
إنفاذ معايير حقوق الإنسان المعترف بها عالميا بعدة وسائل، من بينها الترويج لضرورة مصادقة الدول على المعاهدات الرئيسية لحقوق
الإنسان، وتنفيذها عالميا، واحترام سيادة الشرعية الدولية.
الفقرة الثانية: الأسس القانونية المعتمدة
أولا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أهم سند مرجعي للحقوق والحريات
الإنسانية عامة، وهو بمثابة وثيقة حقوق دولية تبنتها الامم المتحدة في 10 ديسمبر
1948 تتحدث عن رأي الأمم المتحدة في حقوق الإنسان المحمية لدى كل الناس.
وهي وثيقة مرجعية لكل الحقوق
بما فيها الحقوق الدينية، وتعتبر بذلك مصدرا لكل حق ديني تم صياغته وتبنيه في
إتفاقية معينة أو نظام قانوني داخلي لدولة معينة أو أي تقارير رسمية أو غير رسمية
معتمدة.
يتألف الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان من 30 مادة، وتعتبر المادة 2، والمادة 18، والمادة 29 المواد المرجعية
المؤطرة للحق الديني، وتنص المادة 2 على أن:
" لكل إنسان حق التمتع بكافة
الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو
اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل
الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين
الرجال والنساء، وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو
القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو
تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته
خاضعة لأي قيد من القيود".
وتنص المادة 18 أن:
لكل شخص
الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو
عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء
أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.
أما المادة 29 المتعلقة بالحقوق الدينية للدولة فقد
تضمنت ثلاث بنود:
"( 1 ) على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح
فيه وحده لشخصيته أن تنمو نمواً حراُ كاملاً.
( 2 ) يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك
القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها
ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع
ديمقراطي.
( 3 ) لا يصح بحال من
الأحوال أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها".
وهي
مواد تتضمن مقتضيات خاصة لحماية الحريات الدينية، إلا أن حدود هذه الحريات قد
تتجاوز مداها إلى سلوكات و عقائد قد تشكل اعتداء على حقوق فردية لأطراف أخرى،
الشيء الذي يجعل الإطار القانوني لحماية الحق الديني يمتد إلى مواد لا علاقة لها
بحريات دينية بقدر ما لها من دور في حماية الحرية الفردية خاصة أو المصلحة العامة
وحفض النظام عامة.
ثانيا:
العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية
تعتبر الأحكام المرجعية المؤطِّرة
للحريات الدينية الواردة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تلك المقررة
في المواد 2 و 18، وهي كما المواد الخاصة بالحريات الدينية الواردة بالإعلان
العالمي لحقوق الإنسان.
وتنص المادة
2: "تتعهد أي دولة طرف في هذا
العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد
الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون،
أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو
الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب".
وتضمنت المادة
18 أربعة بنود:
1.
لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك
حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في
إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع
جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
2.
لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن
يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره
3.
لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده،
إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو
النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
4.
تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء
عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة.
المحور الثاني: المنهجية الأممية في تحكيم الظواهر الدينية
لمنضمة الأمم المتحدة إجراءاتها
الخاصة وأساليبها التنظيمية في رصد انتهاكات حقوق الإنسان، والتحقيق فيما يعرض
عليها من تقارير، وتطرح هذه المسطرة جوهر عمل منظمة الأمم المتحدة ومدى مصداقيتها عند
إعطاء تفسير حقوقي للواقعة وتكييفها مع مضامين مواد الشرعية الدولية(فقرة أولى)، وثمة
اتفاق بين دارسي العلوم السياسية على أن للدين دورا مزدوجا، فهو أدىت لتبرير
الواقع [من طرف الدول] وتبرير الخروج عليه والتحرر من التزاماته،
وهذا ما سنحاول مناقشته من خلال عرض لبعض الحالات التي اتخدت فيها السلطات الرسمية
لبعض الدول قرارات كانت محط انتقاد من طرف المنظومة الأممية.(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: آليات رصد الظواهر الدينية
أولا : آلية الاستعراض الدوري الشامل
آلية الاستعراض الدوري الشامل تنطوي على
إمكانية كبيرة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان عامة بما فيها مراقبة وضعية الحريات والحقوق
الدينية في أقصى بقاع العالم عزلة.
هذه الآلية لا تسمح للدول الأعضاء في الأمم المتحدة باستعراض وثائقها في
مجال حقوق الإنسان سوى مرة واحدة كل أربع سنوات، حيث يجري استعراض 48 دولة كل سنة.
وتكون هذه الآلية على شكل مناقشات
تواجهية تفاعلية بين الدول قيد الاستعراض من جهة والدول الأعضاء في الأمم المتحدة
من جهة ثانية، ويمكن لأي دولة عضو في الأمم المتحدة أن تطرح خلال تلك المناقشات
أسئلة أو تعليقات أو أن تقدمتوصيات إلى الدول قيد الاستعراض، وتستفيد كل دولة من
حلف مساند لها عبارة عن طريق مكون من ثلاث دول يقوم بشراكة معها بمهمة المقرر يعرف
باسم ) الترويكا )
والملاحظ أن مشاركة المفوضية
السامية لحقوق الإنسان إلى جانب "الترويكا" في مساعدة الدولة المستعرضة
على إعداد تقرير النتائج يجعل هذه الآلية بعيدة عن وصفها بالمسطرة القضائية أو شبه
القضائية حيث كل خصم يأخذ موقع الحكم و المساند، لذى يصعب اعتبار الدول الأعضاء
المشرفة على مراقبة الأوضاع الحقوقية في العالم خلال فترة انتدابها بأنها "خصم"
بالمفهوم السلبي للبلد المستعرض، ويبقى الوصف المقبول هو اعتبار هذه الآلية
بالمسطرة الترافعية التواجهية يقرر فيها الجميع ما يراه صائبا من ملاحظات وتوجيهات،
تدرج في صك عام يسمى "التقرير الختامي".
ويعتبر الهدف الأخير من اعتماد هذه المنهجية
بهذا الشكل، هو رغبة الأمم المتحدة في حل النزاعات سلميا كما هو متوافق عليه في
المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة.
ثانيا : آلية الإجراءات الخاصة
الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان هي آلية
رصد شاملة لجميع الحالات الجماعية أو الفردية المتسمة بطابع مخالف لما هو مقرر من
بيان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و
السياسية.
تمر هذه الآلية عبر مجموعة من
المراحل.
الغاية من عرض هذه الإجراءات بشكل موجز وجد مختصر، هو
لنعرج على ما هو خاص بالمتابعات الدولية للسلوكيات العقائدية المخالفة لوضعية حقوق
الإنسان، كما أن موضوع الدراسة ليس بخصوص الاجراءات الخاصة لرصد وضعية حقوق
الإنسان.
ثالثا : آلية الشكاوى
آلية التظلمات المرسلة، أو آلية الشكاوى، هي
إجراء للشكاوى يقوم به الأفراد أو المنظمات غير الحكومة عبر إرسال تظلماتهم إلى
مجلس حقوق الإنسان من أجل معالجة الأنماط الثابتة لانتهاكات حقوق الإنسان، والمؤيدة
بأدلة موثوق بها، والتي تقع في أي جزء من أجزاء العالم وفي أي ظرف من الظروف.
ويعالج إجراء
الشكاوى البلاغات المقدمة من أفراد أو مجموعات، أو منظمات غير حكومية يدعون أنهم
ضحايا انتهاكات لحقوق الإنسان، أو أنهم عاينا مباشرة هذه الانتهاكات.
وهو إجراء
يعزز كذلك أي مبادرة مع الدولة المعينة، من أجل ضمان أن يكون الإجراء محايدا
وموضوعيا وفعالا وموجها لخدمة الضحايا، وأن يقدم نتائج للحد من التظلم في أقرب
الأوقات بشكل استعجالي.
الفقرة الثانية: التكييف الحقوقي للظواهر الدينية
القرارات
المتخذة من طرف دولة معينة إما أن تأتي في حالة "لفعل إيجابي" بتقرير منهجية مكرسة في عقيدة الدولة الدينية، و
إما أن تأتي في حالة "لفعل سلبي" بمنع سلوك عقائدي لديانة أخرى فوق ترابها.
أولا: حالة الفعل الإيجابي:
الديانة اليهودية:
تتجلى هذه الحالة الحقوقية في المناهج
التعليمية بإسرائيل ذات المرجعية الدينية، حيث يتم إعتماد مقررات تعليمية تكرس
لمظاهر التفرقة والكراهية بين العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، والتي كانت
محط انتقاد من إسرائيليين يهود بالدرجة الأولى، حسب ما جاء في مقال منشور بمجلة
"Haaretz" بعنوان: "Blame Israel's
Schools for the Racism"
خصوصا أن نتائج هذه المناهج أنعكست على التنشئة الإجتماعية للأطفال اليهود بشكل
سلبي بعدما أصبحوا يصيحون في الأماكن العامة "الموت للعرب".
يضاف
إلى هذا إعتماد السلطات الإسرائيلية لنظامين تعليميين منفصلين أحدها خاص بأطفال
فلسطين والآخر خاص باليهود الإسرائيليين كان له إنعكاس سلبي على المستوى التعليمي
في حق الأطفال الفلسيطينيين، ومن بين ما جاء في دفوعات السلطات الإسرائيلية حسب تقرير
"هيومن رايتس ووتش" أن تعليم الثقافة اليهودية
يكون بالأفضلية باللغة العبرية في حين ان اللغة العبرية تعتبر لغة ثانية بالنسبة
للعرب، و رغم التبريرات المتعلقة بالنظام العام الخاص بالثقافة اليهودية، كان رد
منظمة "هيومن رايتس ووتش" عامة يركز على ضرورة إحترام إسرائيل لبنود
إتفاقية الطفل والمواد الواردة بالعهد الدولي المتعلق بالحقوق الثقافية.
الديانة المسيحية:
نعرض في هذه الحالة، لما هو مقرر في المناهج
التعليمية بالدول التي تعتنق الديانة المسيحية عامة، يتعلق الأمر بمسألة الكذب على الأطفال المستمد
من نبوءات الديانة المسيحية بخصوص زيارة
" سنتا كلوز" لهم ليلة رأس السنة وتقديم الهدايا، ورغم الإنتقادات
الشديدة من المجتمع المسيحي لهذه الثقافة الدينية المخالفة لحقوق الطفل، ولحق
الآباء في تربية أبنائهم وفقا لقناعتهم الخاصة كما جاء في الفقرة الرابعة من المادة
18 من العهد الدولي للحقوق المدنية، وما صاحب ذلك من حملات إعلامية تدعو الآباء
للكف عن العمل بهذه الكذبة بعدما ثم ملاحظة تأثيراتها النفسية على الأطفال عند
معرفتهم أن الأمر متعلق بإعتقادات دينية غير واقعية، فإن موقف الأمم المتحدة
كان موقفا سلبيا من هذه الشعيرة الدينية التي تحدث مرة كل سنة، بحيث لا نكاد نجد
أي تقرير بخصوص هذه الواقعة، وقد يكون سبب هذا الحياد السلبي لمنظمة الأمم المتحدة
نتيجة التكييف الحقوقي للواقعة على أنه يدخل في نطاق الفقرة الثانية من المادة 29
من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عندما نصت على :"يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك
القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها
ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة.."
هذه المادة تعطي سلطة تقديرية للدول بالتدخل
عبر قوانينها لفرض ما تراه مساير للنظام العام، والعديد من الآباء ما يزالون
يعتقدون بفعالية الفكرة العقائدية في توسيع مخيلة الأطفال وتحضيرها لحب (يسوع)، وأن
على من لا يرى في هذا المعتقد الديني ماهو صالح، أن يحمل أبناءه إلى مدارس تعليمية
أخرى لا تعتمد مقررات تروي حكايات "سانتا كروز" المسيح.
لكن نسجل في مقابل ذلك حماس كبير من طرف منظمة
الأمم المتحدة، بفرض تعديل المناهج التعليمية للدول الإسلامية التي تتضمن مفاهيم
حول منزلة من يدين بغير الإسلام يوم الآخرة، أو جزاء من يخالف حدود الله ووعيده له
في الدنيا والآخرة، في مقابل إستمرار إعتماد مقررات تعليمية بالمدارس الدينية بإسرائيل
تتضمن تعابير معادية لكل الديانات، إذ نتسائل عن سبب خضوع الدول الإسلامية لتعديل
مناهجها عندما تتلقى توصيات أممية ولا تخضع لتوصيات رب العالمين عندما يأمرها
بحكمه الموافق للأخلاق العامة المتفق عليها بالمادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان والفقرة الثالثة من المادة 18 من العهد الدولي؟.
قوة حجية الطرح المسيحي واليهودي في إعتماد بعض
المقررات التعليمية وإن كانت مخالفة ومتعارضة مع ثقافة حقوق الإنسان هو في الواقع
مشكل مختلف الأنظمة الحاكمة في العالم التي تعتمد مناهج تعليمية ذات مرجعية دينية
بما فيها الإسلام.
بناء على ما سبق نجد أنفسنا أمام طرحين
متناقضين لهما رؤية مختلفة تماما لمقاربة
موضوع حقوق الإنسان في المناهج التعليمية، فهناك الطرح الأممي الدولي الذي يقول
بكونية الخطاب حول تلك الحقوق ومن تمة يدعو ضمنيا إلى الأخد بمفهوم المثلث
التعليمي كوضعية ديداكتيكية وبالمقابل هناك ديداكتيك العلوم الإنسانية وضمنها
"علم التاريخ" الذي يرى ضرورة عدم عزل المدرسة عن محيطها السوسيوثقافي والحضاري،
مما يستدعي الأخد بالخصوصية الحضارية والهوية السوسيوثقافية للمجتمعات وهي تقوم
بتدريس حقوق الإنسان والتربية
ثانيا: حالة
الفعل السلبي:
الديانة اليهودية، ديانة هنود السيخ، الإسلام:
نأخد كمثال على ذلك قرار السلطات
الألمانية بحضر الرموز الدينية والزي الديني للمعلمات ولغيرهن من
العاملات بالوظائف العامة، بما في ذلك (الحجاب)، و(عمّة) هنود السيخ، ورداء رأس
اليهود (كيباه)، و الذي إستندت فيه السلطة الرسمية على معيار
المصلحة العامة المتمثل في حفظ الهوية الوطنية وضمان بقاء المدارس مُحايدة فيما يخص الدين، الشيء الذي يوجب على المعلمات والموظفات
إلتزام الحياد بمناسبة أداء وظائفهم وبألا يظهروا بمظاهر تعرِّف بمرجعيتهم الدينية، وصرحت
"هولي كارتنر" مديرة قسم أوروبا وأسيا الوسطى في "هيومن رايتس
ووتش" أن واجب الحياد يبحث فيه بناء
على السلوك الشخصي للمعلم أو الموظف وليس بناء على ما ترمز إليه الملابس الخاصة
بدين معين.
لكن مع وجود نقاشات برلمانية ووثائق تفسيرية ورد
فيها بوضوح أن الحجاب الإسلامي هو الهدف الأساسي مما ينطوي على التمييز ضد النساء
المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب، فقد إعتبرت "هيومن رايتس ووتش" قرار
السلطات الألمانية شبيه بقرار السلطات الرسمية لكل من أفغانستان، والمملكة العربية
السعودية، وإيران، عندما تُجبر النساء على ارتداء اللباس الديني، والتي نددت به
فيما قبل ودعت في توصياتها الموجهة إلى هذه الدول، بواجب الامتثال للشرعية
الدولية، إذ كلا القرارين مخالفين لمبدأ "حرية المعتقد الديني" وهو
المبدأ المستمد من "معيار الحق الشخصي".
هكذا يمكن ملاحظة مدى التضارب والتعارض بين
"معيار المصلحة العامة" الذي ينتهك مضمون المواد التي تنص على الحرية
الدينية المقررة للأفراد، و "معيار الحق الشخصي" الذي ينتهك مضمون
المواد التي تمنح حقوق للدولة في المحافظة على النظام العام والأخلاق العامة.
يمكن إجمالا الخلاصة إلى ان مسار تعزيز الدولة والتحديث قد فشل في الإنتقال من الملرحلة
الأولى، أي تفكيك البنى التقليدية إلى مرحلته النهائية، أي إعادة البناء على
المثال الحديث، وإما ان فرضية التكيف الإجتماعي مع الحداثة غير صالحة للتطبيق في
هذا المجتمع الألماني والأوربي.
لكنني أظن أن
المسؤولية الكبرى تكمن في الفهم الخاطئ لدور الدين وإرتباطه بالإجماع الوطني، وقد
يتحول سعي الدولة احتواء التأثير السياسي للدنن عن وعي أو غفلة إلى عداء مكتوم
للدين نفسه وسعي حثيث على التحكم في النشاط الديني
كما قد لا نهتدي إلى
معيار يضبط "الحق الديني" المكرس للفرد داخل المجتمع لأن مبدأ حرية
الدين المستند على "معيار الحق الشخصي" كما يحمي الأقليات الدينية
من قرارات المنع الصادرة من السلطات الرسمية داخل دولة معينة، فإنه في الوقت نفسه
يحمي من يتراجعون عن إقامة شعائر دينية في أوساط الأغلبية الدينية.
لكن حسب وجهة نظري المساندة لما هو ثابت على أرض الواقع، أن معيار
المصلحة العامة في تقييد االحريات الدينية، معياراً يصعب على الدول تبريره إستنادا
على الشرعية الدولية، لصعوبة تكييفه على انه حالة حقوقية متعلقة بالمصلحة العامة
للبلاد، وليس حالة خاصة بالحريات الفردية.
خاتمة
نعتقد أن المعيار
النهائي لحماية أي حق ديني هو معيار فرض الأمر الواقع لمن له عُدّة القُوّة،
فعندما يرتفع الواقع عن القانون يتم إصدار قرارات من سلطات الدول تعتبر قرارات فوق
الشرعية الدولية، لكنها في الأخير قرارات ملزمة ونافدة على أرض
الواقع، وحتى داخل النظام الداخلي للدول فإن النزاعات التي تتقابل فيها مطالب ذات
مصلحة خاصة وأخرى ذات مصلحة عامة فإن المصلحة العامة ترجح على مصلحة الفرد الخاصة،
هكذا تبقى المادة 29 من الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان والفقرة الثالثة من المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية
والسياسية أقوى حجية من غيرها من المواد، وإن كان في فلسفة القانون الوضعي لا يوجد
تراتبية فيما بين القواعد القانونية الملزمة داخل نظام قانوني واحد.
قياسا على ذلك قد تتأثر
كثيرا الحقوق الدينية للفرد عند مطالبته بحريته الدينية، وقد تنتصر في الغالب
الحقوق الدينية للدولة عند إعمالها لحقها في
إصدار قوانين تقيد من حرية الفرد الدينية لتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام و
الخلاق العامة.
وما الضّيف إلا في حكم المُضيف، وما الأقليات
الدينية إلا في حكم النظام العام للدولة والهوية التي تدين بها الأغلبية الحاكمة،
فالملكة العربية السعودية كنظام له كامل الحق لإتخاد قرارات ضد النساء المسلمات
اللواتي يمتنعن عن إرتداء الحجاب، ولألمانيا الاتحادية كامل الحق لإتخاد قرارات ضد
النساء المسلمات اللواتي يلتزمن بارتداء الحجاب، وليس لزاما على منظمة الأمم
المتحدة أن تلعب دور الدركي الروحي على الدول الغير مصنعة للأسلحة، في مقابل لعب
دور حارس الليل ضد اللصوص لدى الدول المصنعة للأسلحة.
ضعف حجية مبادئ الأمم
المتحدة بدأ يظهر في العلن، وإن كان بشكل محتشم، ففي مقال آخر منشور على الموقع
الإلكتروني لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" تعترف فيه
على أنها تجد صعوبة بالغة لتقرير موقف حاسم حول مجموع القوانين الداخلية التي صدرت
في مجموعة من الدول الأوربية المتعلقة بحضر الرموز والثياب الدينية التي من بينها حجاب
المسلمات كما سبق الإشارة، خطاب المنظمة هنا أصبح يعتمد أسلوب أدبي أكثر منه أسلوب
تقريري صادر عن هيأة تتمتع بالمصداقية الدولية وبقوة إتحاد مواقفها وفرض توصياتها،
ومما جاء في المقال: ( ... يثير هذا الجدل أسئلة يصعب الإجابة عليها، عن العلاقة
بين مختلف عناصر الحقوق الأساسية، لا سيما الحقوق المرتبطة بحرية المعتقد الديني
وحقوق المرأة، كما يفرض أسئلة عن الدور الملائم للدولة فيما يتعلق بالدين
والممارسات التقليدية، ومنها كيفية وموعد ومكان تضييق الحكومات بشكل مشروع على
ارتداء الثياب الدينية وعرض الرموز الدينية في الأماكن العامة..).
·