الأربعاء، 25 مايو 2016

في إطار أنشطته العلمية  نظم فريق البحث في علم مقارنة الأديان التابع لمختبر الخطاب والإبداع والمجتمع يوم 26 ماي يوما دراسيا بعنوان: "الحروب الدينية والشرائع السماوية"، وقد سعى هذا اليوم كما جاء في ديباجتة إلى محاولة ترسيخ مفهوم الحوار والتعايش السلمي بين الأديان، وذلك عن طريق مجموعة من المداخلات العلمية التي تصبو إلى توضيح بعض المفاهيم مثل: الحرب والعنف والإرهاب، وإزالة اللبس والغموض عن مجموعة من المغالطات التي تنبع من الفهم السقيم للدين، والتنزيل غير المنضبط لقواعد بعض النصوص الدينية المرتبطة بالعنف.
 كما سعى هذا اليوم الدراسي إلى تسليط الضوء على أصل العلاقة التي ينبغي أن تجمع بين أتباع الديانات هل هي الحرب أم السلم؟ وهل كانت الحروب التاريخية تنبع من دوافع دينية محضة أم أنها كانت ترتبط بمصالح اقتصادية وسياسية؟ وكيف كانت وظيفة الدين في الحروب التاريخية؟
وقد إستطاعت مداخلات الحضور العلمية الإجابة عن هذه الإشكالات المفاهيمية التي كان الهذف منها التعرف من جهة على الحروب الدينية، والعنف، والإرهاب، مع بيان موقف الأديان السماوية من الحرب،  وكذا بيان أصل العلاقة بين البشر: سلام أم حرب، مع انتقاء بعض النماذج التاريخية للحروب الدينية.

الجلسة الإفتتاحية:
وقد افتتح اليوم بجلسة افتتاحية قام بتسييرها الدكتور (عبد الله الغواسلي المراكشي) رئيس شعبة اللغة العربية، وضمت كل من الدكتور (سعيد كفايتي) رئيس فريق البحث، والدكتورة كريمة (نور عيساوي) رئيسة اللجنة المنظمة، وقد تم افتتاح اليوم بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم تلاها الباحث (هشام الحايك)، كما نوه الدكتور عبد الله الغواسلي المراكشي بأنشطة الفريق، وشجع الطلبة الباحثين على المضي قدما في البحث وغوص غماره، ثم مرر الكلمة للدكتور (سعيد كفايتي) الذي أوضح أن الهدف من وراء مثل هذه الأنشطة هو التعريف بعلم مقارنة الأديان والمجاهدة من أجل أن يكون شعبة مستقلة بالجامعة المغربية، كما بين أهمية موضوع الحرب الدينية وأثرها في المجتمع وضرورة دراسة هذه الظاهرة قصد تصحيح المسار، وأكدت الدكتورة كريمة (نور عيساوي) في مداخلتها إلى أن الحرب سواء كانت دينية أم غير ذلك، فإنها أمر مكروه من قبل المجتمع لكونها تجر الخراب.
الجلسة العلمية الأولى:

      وقد توزعت محاور اليوم الدراسي على خمس جلسات علمية استهلت الأولى منها للتحديد المفاهيمي لمصطلح الحرب الدينية، جاءت بعنوان؛ "الحرب: مفهومها وقواعدها"  ترأسها الدكتور سعيد كفايتي رئيس فريق البحث في علم مقارنة الأديان، فكانت مداخلة الباحث (البشير أسعير) حول "أخلاقيات الحرب في الشرائع السماوية"، تناول فيها التعامل المسيحي في الحرب والتعامل الإسلامي في الحرب، وكانت مداخلة الباحث (عبد الصمد علمي شنتوفي) حول "قواعد السلام العرفية في قوانين الحرب الدولية"، فصبت أكثر في الجانب المتعلق بالقانون الدولي الإنساني، وأشارت إلى أن القوانين والاتفاقيات الدولية التي تعمل على حماية الانسان أثناء الحروب لم تنشئ بداية من إتفاقيات صاغها الفكر الإنساني، بل استمدت مبادئها ومصادرها من الشرائع السماوية التي كان لها السبق في وضع أحكام إنسانية أثناء قيام الحروب، ولا جدال بين فقهاء القانون الدولي، على أن "القواعد العرفية" للقانون الدولي الإنساني، المستمدة من الكتب السماوية، هي أحد أهم مصادر قوانين الحرب الدولية التقائية، اذ تعرف توافقا بين معظم شعوب العالم على مختلف عقائدهم نظرا لعقلانيتها ومنطقها الإنساني السليم، وقد كانت مداخلة الباحث المصري (شكري منصور) حول "أخلاقيات الحرب عند اليهود" التي عرض فيها أمثلة على عدم رحمة بني إسرائيل في حروبهم المقدسة من خلال نصوص توراتية، وقامت الباحثة (يطو وهمي) بتوضيح الفرق بين "مفهوم الحرب المقدسة والجهاد والإرهاب"، وركز الباحث (جمال صوالحين) على "مفهوم الحرب المقدسة في الديانة اليهودية".
الجلسة العلمية الثانية:
أما الجلسة العلمية الصباحية الثانية والتي ترأستها الدكتورة (حنان السقاط)، فقد تمحورت حول "قضايا مختلفة تخص الحروب الدينية" منها ما جاء في مداخلة الباحث (مصطفى العلام) الذي تحدث عن الحروب الدينية كوسيلة لفرض عقيدة الدول والجماعات بالحديد والنار، حيث استند الداعون إلى خوضها على مجموعة من النصوص الدينية، وفسروها تفسيرا حرفيا، أو أولوها تأويلا مجانبا للصواب من أجل تبريرهم خوض هذه الحروب (مايحدث في بلاد الشام أنموذجا)، ونفس الأمر سيتكرر في آخر الزمان حيث تتحدث النصوص الدينية لمختلف الديانات عن حروب مستقبلية ستقع أيضا ضمن أحداث النهاية، ويتعلق الأمر بمعركة 'غضب الرب' بالنسبة للديانة اليهودية، ومعركة 'هرمجدون' بالنسبة للمسيحية البروتستانتية الأمريكية، و'الملحمة الكبرى' بالنسبة للديانة الإسلامية، من جهة أخرى تطرق الباحث (حفيظ اسليماني) لموضوع آخر متعلق بنظرة اليهود للمسلمين والعكس، بحيث وضح العداء المتبادل بينهما والذي نتج عنه حروب كثيرة عبر التاريخ، وركز الباحث (عبد الحي الوادي) على موضوع "حرب هرمجدون بين المسيحية والإسلام"، أما الباحث (يونس إمغران) فإنه تحدث عن قضية فكرية أخرى تتعلق "بالصناعة الإعلامية لقضية الإرهاب" ونفى أن يكون للإرهاب صناعة دينية، وتحدث الباحث (محمد زركان) عن الأساطير التي وظفها بنو إسرائيل لتبرير حروبهم من أجل فلسطين، وتحدث (هشام المباركي) عن قضية "جدلية الحرب والسلام في المذاهب اليهودية المعاصرة" ناقش فيها اليهودية الإصلاحية أنموذجا، هذاالمذهب اليهودي الذي يرى أن السلام سيتحقق عن طريق أفعال اليهود المسيحانية دون الحاجة لمجيء مسيح مخلص.
وفي الجلسة العلمية أول مساء يوم الخميس 26 ماي 2016، قامت الدكتورة (حبيبة أحادوش) بتسيير جلسة تمحورت حول "قضايا التطرف والإرهاب"، فكانت المداخلة الأول حول "التكفيريين الخوارج والرد عليهم بأدلة قرآنية" من قبل الباحث (أحمد علاوي)، وكانت مداخلته باللغة الانجليزية؛
"Concepts Concerning the takfirist thought in Islam"
 وفي المداخلة الموالية قام الباحث (رشيد مستقيم) بعرض قراءته لكتاب "التطرف الديني لشيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق"، وكان كتاب "بين الاستشهاد والإرهاب: وجهة نظر معاصرة" للدكتورة (حنان السقاط) هو موضوع قراءة الباحث (محمد مبشوش)، وقام الباحث (مصطفى بنحدو) بتبيين "موقف الأديان من الإرهاب والعنف"،  واختتمت الجلسة بمداخلة للباحث (يوسف لوميم) باللغة الانجيليزية حول دور التعددية الثقافية في الحد من ظاهرة التطرف الديني؛
"The Necessity of Intercultural Communication to Reduce Religious Extremism"

قام الدكتور (سعيد كفايتي) بتسيير جلسة علمية ثانية تمحور حول "قضايا السلم والتعايش" والتي قدم فيها كل من الباحثين أدلة على رغبة الأديان في خلق جو من التعايش الديني فكان عنوان مداخلة الباحث (مصطفى الطوالي) حول الأديان السماوية والبحث عن السلام باللغة الانجليزية؛
Religions and the Seek for Peace  وكانت مداخلة الباحث (مصطفى خاضري) حول "التعايش السلمي بين الأديان".
وفي الجلسة العلمية الثالثة المسائية التي قامت الدكتور كريمة (نور عيساوي) بتسييرها عرض "نماذج حول حروب دينية تاريخية"، فكانت البداية مع الباحث (بدر الحمومي) الذي انتقل مباشرة ليحاول بالأدلة الإجابة عن إشكالية طرحها حول ما إذا كانت الحرب اليهودية الرومانية حربا دينية أم قومية فكانت إجابته أن هناك تداخل ما بين ما هو ديني وما هو قومي في تلك الحرب، ثم انتقل الباحث (منير تمودن) إلى فترة تاريخية أخرى وهي فترة تغول الكنيسة الكاثولكية وحربها ضد الكنيسة الدوناتية محاولة فرض مذهبها، وأما الباحث (حميد بن فارس) فقد تقدم قرونا إلى الأمام بعرضه لقضية "حرب المسلمين ضد بني قريظة" ورد على الشبهات المثارة حول تلك الحرب بالأدلة التارخية والنصوص الدينية، وأوضح أن تلك الحرب كانت ضرورية، كما تعرض الباحث (هشام الحايك) لقضية لاحقة وهي قضية "الحروب الصليبية" وبين بالأدلة على كونها حرب جيوسياسي لا حرب باسم المسيح عليه السلام.
وفي الأخير تم ختم فعاليات اليوم الدراسي بكلمات شكر وعرفان ختامية لكل من رئيسة اللجنة المنظمة ورئيس فريق البحث في علم مقارنة الأديان، وتم توزيع الشواهد وأخذ صور جماعية.




الأحد، 1 مايو 2016

توصيات مجلس الأمن الصادرة في 29 أبريل 2016 بعد قرار الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص نزاع الصحراء

باسم الله الرحمان الرحيم



التوصيات الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة:
- تمديد بعثة المينورسو سنة أخرى.
- وجوب تقديم الأمين العام للأمم المتحدة إحاطة معلوماتية خلال 90 يوم عن ما إذا نجح في إقناع المغرب بعودة الموظفين المدنيين التابعين للبعثة.
- دعوة المبعوث الشخصي للأمين العام، والأمين العام إلى العمل على تجديد الإجتماعات وتعزيز الإتصالات.
- وجوب تقديم الأمين العام إحاطات إلى مجلس الأمن بانتظام مرتين في السنة على الأقل، مع تقديم تقرير عن حالة الصحراء بوقت كاف قبل نهاية فترة ولاية البعثة.
- حث الأمين العام إلى عدم التسامح مطلقا إزاء الاستغلال الجنسي والإيداء الجنسي، الذي يصدر من أفراد البعثة الأممية، والعمل على اتخاد الإجراءات الوقائية الملائمة التي تشمل إذكاء الوعي للبعثات المرسلة من الدول قبل نشرها، وذلك لضمان المساءلة في حالات اقتراف أفراد قوات تلك البلدان سلوكا من ذلك القبيل.

التوصيات الموجهة للمغرب:
- السماح بعودة البعثة كاملة لأداء وظائفها داخل أجل 90 يوم.

التوصيات الموجهة لجميع الدول:
- إلتزام المغرب والبوليساريو بجميع الإتفاقيات العسكرية المتعلقة بوقف إطلاق النار.
- وجوب الإلتزام بإتخاد جميع الإحتياطات اللازمة لضمان أمن موظفي الأمم المتحدة .
- إلتزام طرفي النزاع بمواصلة عملية التحضير لعقد دورة خامسة من المفاوضات.
- دعوة جميع دول العالم العضو في منظمة الأمم المتحدة إلى تقديم المساعدة الملائمة للدفع بالمحادثات بين اطراف النزاع.
- حث الدولتين المجاورتين موريتانيا والجزائر على عقد اجتماعات دورية مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، من أجل إستعراض تدابير بناء الثقة.
- حث جميع الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة على تقديم تبرعات لتمويل تدابير الثقة المتفق عليها بين الطرفين.

ملخص لأخطر ما جاء في تقرير الأمين العام -19 أبريل 2016- عن الحالة فيما يتعلق بالصحراء الغربية

                                        باسم الله الرحمان الرحيم                                            



 ملخص لأخطر ما جاء في تقرير الأمين العام -19 أبريل 2016- عن الحالة فيما يتعلق بالصحراء الغربية


بعثة الأمم المتحدة:

  اسم البعثة المرسلة من طرف الأمم المتحدة لحل نزاع الصحراء هو: Mission des Nations Unies pour l'Organisation d'un Référendum au Sahara Occidental (MINURSO)، و لهذا يكون وصفها في تقرير الامين العام ب : " بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية " وصف مسلم به، لكن خطورة هذا الإسم على المغرب في هذا التقرير بالذات أن الأمين العام للأمم المتحدة حدد حصرا مهمة بعثة المينورسو بأن: ( مجلس الأمن أنشأ البعثة لرصد تنفيذ وقف إطلاق النار بين الطرفين، والحفاظ على الوضع العسكري القائم والقيام، رهنا بوافقة الطرفين، بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.) فعبارة لتنظيم استفتاء في الصحراء  هي عبارة خارج سياق قرار المغرب النهائي حول الملف بكون مبادرة الحكم الذاتي هي السبيل الوحيد المفضي إلى حل نهائي، وأقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه، ولأن عرف الأمم المتحدة دأب على أن اسم بعثاتها يشتق من مهمتها في إطار الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، لذلك كان على المغرب ولازال عليه طلب تغيير إسم هذه البعثة التي أسست بقرار أممي لمجلس الأمن للأمم المتحدة سنة 1991 عندما غير موقفه من جدوى استفتاء لتقرير المصير وطرح بدلا من ذلك مقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية كاقصى ما يمكن منحه للأقاليم الصحراوية.

  فحسب ما جاء في تقرير الأمين العام تعمل البعثة الأممية المرسلة على:  (ايجاد حل سياسي يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره بعد إجراء إستفتاء)، وليس على التوصل إلى صيغة جديدة للحوار أو العمل وفق معايير أخرى وبلورة أفكار جديد لتمتيع سكان الأقاليم الجنوبية للمغرب بحكم ذاتي.

  هذا الإشكال له ارتباط مع ما جاء في تقرير الأمين العام لمجلس الأمن عندما قال: "..وطرح المحاورون المغاربة الذي اجتمع بهم مبعوثي الشخصي موقفين من مواقفهم القائمة منذ أمد طويل كأفكار جديدة..." دلالة هذه العبارة تعني أن المغرب حسب وجهة نظر الأمين العام ومبعوثه كريستوفر روس مازال موقفه متعنتا لمواقف قديمة غير مرن في حواره من أجل التقدم في ملف المفاوضات، وهذه طبعا وجهة نظر غير صحيحة للأمين العام لأن الموقف القديم القائم منذ أمد طويل هو ما تدعو إليه البوليساريو بالدعوة إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير، وأن المواقف الجديدة المتقدمة لإيجاد حل للنزاع هي ما يطرحه المغرب من مبادرة للحكم الذاتي وإعادة إجراء استفتاء وفق معايير جديدة، أما طلب المغرب لإدخال الجزائر كطرف ثالث في النزاع ليس موقف المغرب وإنما موقف المنطق وطبيعة النزاع.

  ويكشف لنا التقرير شيئا بالغ الأهمية بخصوص فلسفة  المغرب حول مبادرة الحكم الذاتي، بحيث أن وجهة نظر المغرب لا ترفض بالإطلاق مسألة تقرير المصير إذا كانت ستمر عبر مبادرة الحكم الذاتي، و إنما ترفضها كحل مباشر مستقل عبر إجراء عملية رسمية طبقا للقانون الدولي.

  وقد جاء في التقرير: ( ..وذكر السيد بوريطة أن تقرير المصير، من وجهة نظر المغرب، يمكن أن يتحقق بالممارسة المستمرة لحقوق الإنسان، و لاسيما السعي إلى التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، بدلا من أن يتحقق بإجراء عملية رسمية.).


حادث إطلاق النار من طرف الجيش المغربي وعثور البعثة الأممية على جثة صحراوي:

   جاء في الصفحة 2 و3 من التقرير أن: (..ففي مساء يوم السبت 27 فبراير 2016، أبلغت جبهة البوليزاريو البعثة بحادث إطلاق النار قرب ميجيك في الشريط العازل المنزوع السلاح شرقي الجدار الرملي. وفي 29 فبراير، عثرت البعثة بعد أن قامت بما يلزم من تدابير إزالة الألغام للوصول إلى عين المكان، على جثة شخص واحد وأربعة جمال ميتة. وأكد الجيش الملكي المغربي أنه أطلق 13 عيارا ناريا "في إتجاه الجمال". وقد استعادت العبثة جثة ذلك الشخص، الذي حددت هويته جبهة البوليزاريو باعتباره مدنيا صحراويا وأحد الجمالين، وسلمتها لأسرة المتوفي. وفي 29 فبراير، كتب إلي الممثل الدائم للمغرب، عمر هلال، ليقدم تفاصيل عن الحادث ويؤكد من جديد ان أعيرة نارية أطلقت – بعد توجيه تحديرات – في "ظروف أتسمت بانخفاض شديد للرؤية" و في 13 مارس، كتب السيد عبدالعزيز إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يدين ما اعتبر "اغتيالا" ويدعو الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في الحادث.).

  والملاحظ أن أطوار الحادث وتداعياته تزامنت بشكل موازي مع التطورات السابقة واللاحقة لزيارة الأمين العام لمخيمات تندوف في 7 مارس 2016.  


حياد الأمين العام للأمم المتحدة:

  الأمين العام للأمم المتحدة يفرض وجهة نظره المخالفة لوجهة نظر المغرب والمساندة لجبهة البوليزاريو، إذ يقول في الصفحة 3 : ( وأعربت عن أسفي لعدم إجراء مفاوضات حقيقية دون شروط مسبقة وبحسن نية من أجل التوصل إلى حل سياسي مقبول للطرفين،  يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره)، إذ أن الحل السياسي المقبول من الطرفين رهين بشرط  متطفل من الأمين العام  وهو أن يكون في الأخير حل من أجل الوصول لإستفتاء لتقرير مصير، كما لو أن الأمين العام  ومبعوثه  طرف في المفاوضات. 

   كما أن الأسلوب الذي يكتب به الأمين العام للأمم المتحدة تقريره هو أسلوب يعتمد فيه على نقل  ما جاء عل لسان أشخاص في مؤتمرات ورسائل وبيانات وخطابات لجبهة البوليساريو وحلفائها المعادية للمغرب، وليس على ما حدث في الواقع ليصبغ به تقريره كما لو أنه هو المتحث.

  وكمثال على ذلك في الصفحة 5 : (واتهم المؤتمر [ الذي نظمته جبهة البوليساريو] في بيانه الختامي المغرب بالتعنت في رفض استئناف المفاوضات. واعتبر المؤتمر زيارتي المرتقبة إلى المنطقة وتكثيف الجهود من جانب مبعوثي الشخصي فرصة جديدة، وعبر عن استعداد الجبهة للتجاوب البناء مع هذا المسعى. بيد أنه نبه أيضا أن تحدي المغرب لمساعي الأمم المتحدة...)

كما أن الأمين العام للأمم المتحدة يقر في تقريره أن هناك وعد من الأمم المتحدة إلى البوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير المصير، الشيء الذي يجعل أجواء الثقة بين الطرفين تعرف هوة كبيرة لوجود شروط مسبقة ليس من طرف البوليساريو ولكن من طرف مبعوث الأمين العام عندما يدعو في تقريره بشكل مبطن على ضرورة إجراء استفتاء وتقرير المصير، إذ جاء في الصفحة 6: ( ..رحب السيد عبد العزيز بدعوتي إلى استئناف المفاوضات وبالتزامي بزيارة الصحراء الغربية والمنطقة، ووصف هذه الخطوات بأنها "تعبير هام عن عزم الأمم المتحدة على إنهاء الجمود الحالي والوفاء بوعد إجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي"...)


زيارة الأمين العام للصحراء  والمنطقة :

   ورد في الصفحة 9 من التقرير: (..وقد يسرت تنقلاتي بدرجة كبيرة بفضل العرض السخي لحكومة إسبانيا بتوفير طائرة تابعة لسلاح الجو الإسباني لستخدامها في سفري داخل المنطقة.).

  الخطير في زيارة الأمين العام  أن رحلته إلى مخيمات تندوف كانت عبر سلاح الجو الإسباني، وهو أمر كان على المغرب توجيه شكاية فيه إلى مجلس الأمن، لأن ركوب الأمين العام للأمم المتحدة وهو في مهمة خاصة بنزاع بين المغرب والبوليساريو لطائرة عسكرية لدولة كانت طرفا في النزاع مند 1975 ولها تمثيلية دبلوماسية للبوليساريو في بلادها، ولا تعترف بأن الصحراء مغربية، للنزول بها فوق أراضي دولة الجزائر التي تحتضن مركز البوليساريو كدولة خصم للمغرب في هذا النزاع، ليتوجه بعد ذلك مباشرة للقاء الأمين العام للبوليساريو دون لقاء للطرف الآخر مبرمج في جدول زيارته، يعتبر أمر مستفز للمغرب كطرف في النزاع.
   فالأمم المتحدة منذ إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية عملت على توفير ميكانيزمات لوجيستيكية خاصة بهذا الجهاز الأممي، من قبيل طائرات ومروحيات مختلفة تحمل شعار الأمم المتحدة، تكون رهن إشارة أمينها العام لتوخي الحياد والتجرد في أداء مهامها وهي تقطع الحدود الجوية للدول، أو تنزل فوق أراضي سيادة دولة معينة،  فلا يعقل إطلاقا صعود الأمين العام للأمم المتحدة على متن طائرة لسلاح الجو الفرنسي أو التركي للتوجه لإقليم كردستان شمال العراق، للقاء مسئولين أكراد في مهمة متعلقة بتسوية نزاع أممي بين النظام السوري وأكراد حول قيام نظام فيدرالي لهم شمال سوريا.

  كما لا يمكن قبول تمويل تنقلات الأمين العام  من ميزانية خاصة لجهاز عسكري لدولة في قضية أممية، إلا إذا كانت منحة التبرع عامة لصندوق الأمم المتحدة من هذه الدولة، مما يكون معه الأمين العام قد خالف مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة فيما يخص الميزانية ونظام التبرعات الذي يجب أن يبقى عام وليس خاص بنفقات متعلقة بعمليات محددة.

الجمعة، 15 أبريل 2016

محظر 20 يوليوز أساتذة الغد

باسم الله الرحمان الرحيم

محظر 20 يوليوز أساتذة الغد

 حتى نكون وطنيين لا نزكي خيانة ومكر الحكومات الغاشمة، ولا نخدع أبناء شعبنا العامّي، دعنا نفترض أن اليوم هو 28 من شهر فبراير من سنة 2017، يخرج علينا رئيس الحكومة في جلسة عامة بالبرلمان ليقول " ماكاينش توظيف مباشر لأساتذة الغد" وحجته في ذلك أن المباراة التي اجتازها الأساتذة المتدربين في شهر يناير 2017 إنما كانت للتباري على من يستحق التوظيف، وليس لتوظيف الجميع، وإلا ما معنى "مباراة" إذا كان الجميع سيتم توظيفه ؟! وأنه بناء على ذلك يعتبر الأساتذة الراسبين في المباريات غير معنيين بالوعد بالتوظيف عندما تم الإلتزام  معهم في محضر 14 أبريل 2016على تنظيم مباراة التوظيف في شهر يناير 2017 يليها مباشرة التحاق الأساتذة بوظائفهم في أجل أقصاه فاتح فبراير، وأن أي تفسير لبنود الإتفاق على أن الجميع سيوظف بعد المباراة سواء رسب أم نجح يعتبر عبتا و تناقضا في حد ذاته، ومخالفا للمادة 22 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية التي تشترط إجراء مباراة، ومخالف للفصل 31 من الدستور الذي يشترط: ".. ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق..." من جهة أخرى.

  كما أن التكييف القانوني لمعنى "مباراة شكلية" لا يمكن إلا أن يفسر على انه في الأخير مباراة بالمفهوم القانوني، وانه تبعا لذلك يكون مفهوم عبارة "مباراة شكلية" مصطلح أدبي غريب عن المفاهيم القانونية المتداولة. انتهى

  تم دعني نفترض أن اليوم هو الأول  من شهر أبريل 2018، حيث صدر قرار المحكمةالإدارية بالرباط في الملف المعروف ب"أساتذة الغد" جاء في حيثياته؛

  "..من حيث الشكل الحكم بعدم قبول الدعوى لتقديمها خارج الآجال المقررة قانونا [60 يوم] من تاريخ رفض توظيف الأساتذة الراسبين في المباراة التي أعلن عن نتائجها في 30 يناير 2017، ولكونها قدمت وفق غير المسلك المقرر قانونا، حيث أن المدعي خرق مقتضيات المادة 8 من قانون 90ـ41 المحدث للمحاكم الإدارية اعتبارا لوضعية المدعي الذي لا يتوفر على صفة الموظف، وبالتالي لا يمكن اعتبار طلباته تندرج في إطار دعاوى تسوية الوضعية الفردية المنصوص عليها في المادة 8 الأنفة الذكر...
 ..كما أن الدعوى معيبة أيضا لأن الطلب ينصرف إلى توجيه أوامر للإدارة وإحلال القاضي محل الإدارة، مما يتعارض مع مبدأ استقلال السلطات ؛

  فضلا عن ذلك فإن محضر 14 أبريل يخرق مقتضيات الفصل 31 من الدستور، والمادة 22 من القانون الأساسي للوظيفة العمومة اللتان تشترطان الولوج على الوظائف العامة للدولة بالإستحقاق عن طريق المباريات وليس توظيف مباشر لمجرد حصولهم على شواهد بعد تكوين في معاهد أو جامعات حكومية؛

  وحيث أن المحضر المحتج به لا حجية له لعدم توقيعه من طرف الحكومة ولكونه لا يشكل التزاما تعاقديا بمفهوم المادة 230 من قانون الالتزامات والعقود، لأن التوظيف يتم عبر قرارات إدارية هي التي تنشأ وضعية قانونية فردية، وليس هكذا عبر إتفاقيات ثنائية جاءت نتيجة ظروف معينة لتنظيم الضوابط العامة من أجل حل أزمة توظيف قضية خاصة؛
  وحيث أن التوظيف في مرافق الدولة لا يتم  إلا بعد استيفاء عدد من المساطر واحترام مجموعة من الإجراءات الإدارية والمالية القبيلة، وتوفر مناصب مالية شاغرة في القانون المالي ؛
  و حيث انه ترتيبا على ما تقدم؛
  لهذه الأسباب قضت المحكمة علنيا إنتهائيا وحضوريا في الشكل؛ بعدم قبول الدعوى، (وإفتراضيا إن قبلت شكلا برفضها مضمونا) ". إنتهى

  وجهة نظرنا القاطعة في أن الإتفاق تتصرف فيه الحكومة بسوء نية، أنه لا يمكن توظيف الجميع إلا بإلغاء المرسومين الوزاريين، ولا يمكن إلغاء المرسومين إلا بصدور مرسوم لاحق عليهما يلغيهما، وجهة نظرنا هذه الموافقة لما هو تابت قانونا تعني أن الاتفاق يجب أن يطرجم  ويحرر في مرسوم وزاري يصدر في الجريدة الرسمية.  

   وجب الفهم أن هناك مؤسسة تكوينية أخرى بالمغرب يتم إدماج خريجيها مباشرة في أسلاك الوظيفة العمومية وهم خريجي المدرسة الوطنية للإدارة، أما خريجي مراكز تكوين الأساتذة فيجب عليهم إجراء مباراة، الفقرة الأولى من المادة 22 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية كما تم تعديلها تلزم بتوظيف مباشر لخريجي المدرسة العليا للإدارة، والفقرة الثانية من نفس المادة تفرض على خريجي الجامعات والمؤسسات التعليمية العامة الأخرى ضرورة إجراء مباراة، يجب محاكمة هذه المادة برفع دعوى ضدها لدى المحكمة الدستورية.



  لقد سبق أن قدمنا قراءتنا القانونية لمحضر 20 يوليوز على أن القضية نزاع في القانون وليس في واقعة قانونية، لأن الطرف الآخر يحتج بمواد قانونية هي غير دستورية، إذ وجب رفع الدعوى أمام المحكمة الإدارية أولا حتى يمكنكم تقديم طلبات مضادة بأن ما يستند عليه خصمكم من مواد قانونية هي غير دستورية،  لترفع المحكمة الإدارية يدها على الدعوى وتحيلها إلى المحكمة الدستورية التي لن يكون لها سوى إلغاء المادة 22.


الخميس، 14 أبريل 2016

عبدالصمد علمي شنتوفي

الحقوق الدينية في الشرعية الدولية
عبدالصمد علمي شنتوفي
التصميم:                                                                        
المحور الأول: صلاحيات المنظومة الأممية في توجيه السلوك العقائدي
الفقرة الأولى: الهيئات الأممية المختصة
أولا: مجلس حقوق الإنسان
ثانيا: المفوضية السامية لحقوق الإنسان
الفقرة الثانية: الأسس القانونية المعتمدة
أولا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
المحور الثاني: المنهجية الأممية في تحكيم الظواهر الدينية
الفقرة الأولى: آليات رصد الظواهر الدينية
أولا : آلية الاستعراض الدوري الشامل
ثانيا : آلية الإجراءات الخاصة
ثالثا : آلية الشكاوى
الفقرة الثانية: التكييف الحقوقي للظواهر الدينية
أولا: حالة الفعل الإيجابي:
 ثانيا: حالة الفعل السلبي:


تقديم:
     من بين أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شدة تلك التي تنبع من قناعة روحانية لديانة معينة، ومن بين أكثر انتهاكات حقوق الإنسان التي يصعب على منظمة الأمم المتحدة التقليل منها أو وضع حد نهائي لآثارها تلك التي ترسخت لدى مجتمع معين من ثقافة دينية، إذ يسود اعتقاد راسخ لدى من يدين بهذه الأفعال المتعارضة مع مبادئ حقوق الإنسان بكون حجيته الحقوقية في ممارسة تلك الشعائر أو اعتماد تلك المناهج الدينية أقوى من منطق مبادئ حقوق الإنسان كما هي مسطرة لذى منظمة الأمم المتحدة، إذ يعتبر مفهوم الحق هو وجود حق الإله على رأس قائمة الحقوق[1].
  مصدر الإشكال الأزلي في معرفة المحظور من المشروع، أن مبادئ الأمم المتحدة تأخذ بظاهر نتائج تلك السلوكات على أرض الواقع،  بينما تأخذ العقائد والديانات بروح وبشارات النبوءات الغيبية المستقبلية.
   وعليه تعتبر أي خطوة ناجحة في إنهاء تظلم حقوقي يكون مصدره عقيدة معينة بمثابة إنجاز كبير يعود أجره للجنود الطبيعيين لمنظمة الأمم المتحدة الذين تطوعوا بأرواحهم وفكرهم وأموالهم لرصد هذه الانتهاكات البشرية ومعالجتها وديا قبل الانتهاء بإيجاد سبل لوقفها والحد منها وتحقيق أمن روحي يعيد للبشر إنسانيته.
  مفهوم " الحقوق الدينية" موضوع هذه المقالة حسب وجهة نظرنا الخاصة ليس بمعنى "الحريات الدينية"، فحريتك في البحث (الألوهي) لاختيار دين تعتنقه هو مبدأ صراع الأديان للفوز بالجنة، لكن ميزان الحق لدى منظمة الأمم المتحدة يكيل الحرية الدينية بمكيال الحقوق الإنسانية التي توجد مبادئها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذا العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية، إذ يعتبر كل خرق أو عدم احترام بنود قاعدة قانونية دولية بمثابة انتهاك دولي لحقوق الإنسان وإن كان مصدر ذلك شعائر أو مناهج عقيدة دينية معينة مترسخة بشكل عميق في الهوية التاريخية للشعب.
 كما أن الجدال يكمن في تناقض النظريات والواقع، فالحرية من الناحية النظرية والدستورية والعالمية لها مكانتها العالمية، والمشكلة تكمن في التطبيق والواقع، سواء على مستوى نظام الدول التي نادت بالحرية أو على مستوى الجماعات والأفراد، ونحن لا ننكر أن مشكلة الحرية [بما فيها الحرية الدينية] تعتمد على تصور الإنسان كائنا اجتماعيا أو جزءا في الجماعة، وهذا يتطلب خضوعه لبعض القيود والواجبات، وهذا أمر نقره ولا نرفضه، فهو تصور صحيح للحرية التي لا تبقى ولا تقبل إلا مقيدة بقيود الجماعة[2].  
   كما أن مفهوم "الحق الديني" يمتد إلى حق الدولة في تقرير ما تراه من قوانين داخلية لحماية الهوية الدينية للوطن، بناء على معيار المصلحة العامة و حفظ النظام العام والأخلاق العامة.
   لهذا تستند السلطات العامة للدول بما هو مقرر في المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة الثالثة من المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية لمنع إقامة شعائر دينية داخل حدودها الترابية، أو للدِّفاع عن مقررات تعليمية تعتمدها في مناهجها التعليمية قائمة على معتقدات دينية تعتبر طبقا للشرعية الدولية مخلة بحقوق الإنسان طبقا للمادة 2 والمادة 18 من الإعلان العالمي والفقرة الأولى من المادة 18 الخاصة بالعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية بمناسبة دفاعها عن حرية الفرد، هذه الإزدواجية والتضارب بين أحكام الشرعية الدولية على المستوى النظري سنرصدها على المستوى الواقعي كذلك.
    سنعتمد في هذه المقالة على تحرير بحث قانوني يستند على منهجية تقوم على المقارنة والتحليل النظري.
    سنركز على التكييف والتفسير الحقوقي المتدبدب لمنظمة الأمم المتحدة لوقائع دينية متشابهة اعتبرت غير حقوقية، في حين رأت فيها أطراف اخرى أنها تحترم الشرعية الدولية، مع  بيان الآليات الحقوقية المعتمد عليها من طرف أجهزة الأمم المتحدة لإصدارها قرارات وتوصيات آمرة  (المحور الثاني)، على أن نقوم قبل هذا برصد المواد الخاصة بالحقوق الدينية كما هي واردة في الشرعية الدولية، والتي تستند عليها أطراف نزاعات حقوق الإنسان، مع تحديد الأجهزة الأممية المشرقة بشكل رئيسي على هذه التحقيقات الدولية (محور أول) .

المحور الأول: صلاحيات المنظومة الأممية في توجيه السلوك العقائدي

  لم نجد في مختلف القوانين والأنظمة المدنية التي عرفتها الإنسانية، ما هو أسمى من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما تجسد فيه من احترام وحماية لهذه الحقوق[3]، لذا سنعرض لأهم مواده الخاصة بالحقوق الدينية، ولمجلس حقوق الإنسان كهيأة مشرفة على معظم الإجراءات المرتبطة بتنزيل هذه المقتضيات على أرض الواقع (فقرة أولى)، كما يقصد بالحقوق المدنية والسياسية،  حقوق الأفراد الشخصية، كالحق في الحياة، وفي الأمن، والسلامة الشخصية، وهذه الحقوق المدنية والسياسية أطلق عليها القانونيين الجيل الأول من حقوق الإنسان.[4] لدى سنبسط لبعض موادها الخاصة بالحقوق الدينية، ولجهاز المفوضية السامية لحقوق الإنسان كهيأة عليا داخل الأمم المتحدة مشرفة على جل القضايا الحقوقية المطروحة في الساحة الدولية.( فقرة ثانية)

الفقرة الأولى: الهيئات الأممية المختصة
أولا: مجلس حقوق الإنسان
  مجلس حقوق الإنسان هيئة حكم دولية داخل منظومة الأمم المتحدة، مسؤولة عن تدعيم وتعزيز جميع حقوق الإنسان، والسهر على حمايتها في جميع بقاع العالم التي تعرف تواجد سكاني وتختص بمعالجة حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها، والمجلس لديه الصلاحية لمناقشة جميع القضايا والحالات التي تتطلب اهتمام على فترات زمنية طويلة، ثابتة أو عابرة.
   يعقد المجلس اجتماعه للتداول في شأن القضايا المهمة محط أنظار العالم، والتي تحال عليه عبر آليات الرصد.
  كما تبدو خصوصية المجلس في مجال حماية الحريات الدينية كون نتائج تقاريره وتوصياته تعتبر شاملة لكل الحالات المشابهة لتلك الحالة التي تم التداول فيها بشكل خاص، بمعنى أن البحوث و التقارير التحقيقية الخاصة بإقليم معين تكون التوصيات الصادرة بشأنها والتقارير الختامية المتعلقة بها ملزمة لجميع الدول التي تعرف نفس الانتهاكات، سواء كانت تلك الدولة عضو بالأمم المتحدة أم لم تكن، وسواء كانت تلك الدول أحد الأطراف الموقعة على بنود الإتفاقية التي تدين تلك الأعمال أم لم تكن.[5]

ثانيا: المفوضية السامية لحقوق الإنسان

تكمن أهمية المفوضية السامية لحقوق الإنسان في كونها أقوى جهاز تنفيذي لدى منظمة الأمم المتحدة، وترجع قوتها ونفاذ قراراتها كونها تحصل عل تفويض ولائي فريد من مجموعة دول العالم أسند إليها تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها، وتعمل بالخصوص على رصد مدى امتثال الدول الأطراف للمعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، كما تشرف وتشارك في الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وتعمل على تنسيق أنشطة الأمم المتحدة المتعلقة بنشر ثقافة حقوق الإنسان من جهة، والإعلام في مجال حقوق الإنسان من جهة أخرى.
    تعمل المنظمة كذلك على ضمان إنفاذ معايير حقوق الإنسان المعترف بها عالميا بعدة وسائل، من بينها الترويج لضرورة  مصادقة الدول على المعاهدات الرئيسية لحقوق الإنسان، وتنفيذها عالميا، واحترام سيادة الشرعية الدولية.[6]

الفقرة الثانية: الأسس القانونية المعتمدة
أولا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
   يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أهم سند مرجعي للحقوق والحريات الإنسانية عامة، وهو بمثابة وثيقة حقوق دولية تبنتها الامم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 تتحدث عن رأي الأمم المتحدة في حقوق الإنسان المحمية لدى كل الناس.
    وهي وثيقة مرجعية لكل الحقوق بما فيها الحقوق الدينية، وتعتبر بذلك مصدرا لكل حق ديني تم صياغته وتبنيه في إتفاقية معينة أو نظام قانوني داخلي لدولة معينة أو أي تقارير رسمية أو غير رسمية معتمدة.
    يتألف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من 30 مادة، وتعتبر المادة 2، والمادة 18، والمادة 29 المواد المرجعية المؤطرة للحق الديني، وتنص المادة 2 على أن:
 " لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء، وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود".
وتنص المادة 18 أن:
   لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.
أما المادة 29 المتعلقة بالحقوق الدينية للدولة فقد تضمنت ثلاث بنود:
"( 1 ) على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نمواً حراُ كاملاً.
( 2 ) يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.
( 3 ) لا يصح بحال من الأحوال أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها".
   وهي مواد تتضمن مقتضيات خاصة لحماية الحريات الدينية، إلا أن حدود هذه الحريات قد تتجاوز مداها إلى سلوكات و عقائد قد تشكل اعتداء على حقوق فردية لأطراف أخرى، الشيء الذي يجعل الإطار القانوني لحماية الحق الديني يمتد إلى مواد لا علاقة لها بحريات دينية بقدر ما لها من دور في حماية الحرية الفردية خاصة أو المصلحة العامة وحفض النظام عامة.
ثانيا: العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية
  تعتبر الأحكام المرجعية المؤطِّرة للحريات الدينية الواردة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تلك المقررة في المواد 2 و 18، وهي كما المواد الخاصة بالحريات الدينية الواردة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
   وتنص المادة 2:   "تتعهد أي دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب".
 وتضمنت  المادة 18 أربعة بنود:
1.               لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
2.               لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره
3.               لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
4.               تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة.

المحور الثاني: المنهجية الأممية في تحكيم الظواهر الدينية

 لمنضمة الأمم المتحدة إجراءاتها الخاصة وأساليبها التنظيمية في رصد انتهاكات حقوق الإنسان، والتحقيق فيما يعرض عليها من تقارير، وتطرح هذه المسطرة جوهر عمل منظمة الأمم المتحدة ومدى مصداقيتها عند إعطاء تفسير حقوقي للواقعة وتكييفها مع مضامين مواد الشرعية الدولية(فقرة أولى)، وثمة اتفاق بين دارسي العلوم السياسية على أن للدين دورا مزدوجا، فهو أدىت لتبرير الواقع [من طرف الدول] وتبرير الخروج عليه والتحرر من التزاماته[7]، وهذا ما سنحاول مناقشته من خلال عرض لبعض الحالات التي اتخدت فيها السلطات الرسمية لبعض الدول قرارات كانت محط انتقاد من طرف المنظومة الأممية.(فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: آليات رصد الظواهر الدينية

أولا : آلية الاستعراض الدوري الشامل

  آلية الاستعراض الدوري الشامل تنطوي على إمكانية كبيرة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان عامة بما فيها مراقبة وضعية الحريات والحقوق الدينية في أقصى بقاع العالم عزلة.
   هذه الآلية لا تسمح للدول الأعضاء في الأمم المتحدة باستعراض وثائقها في مجال حقوق الإنسان سوى مرة واحدة كل أربع سنوات، حيث يجري استعراض 48 دولة كل سنة.
  وتكون هذه الآلية على شكل مناقشات تواجهية تفاعلية بين الدول قيد الاستعراض من جهة والدول الأعضاء في الأمم المتحدة من جهة ثانية، ويمكن لأي دولة عضو في الأمم المتحدة أن تطرح خلال تلك المناقشات أسئلة أو تعليقات أو أن تقدمتوصيات إلى الدول قيد الاستعراض، وتستفيد كل دولة من حلف مساند لها عبارة عن طريق مكون من ثلاث دول يقوم بشراكة معها بمهمة المقرر يعرف باسم )  الترويكا )[8]
    والملاحظ أن مشاركة المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى جانب "الترويكا" في مساعدة الدولة المستعرضة على إعداد تقرير النتائج يجعل هذه الآلية بعيدة عن وصفها بالمسطرة القضائية أو شبه القضائية حيث كل خصم يأخذ موقع الحكم و المساند، لذى يصعب اعتبار الدول الأعضاء المشرفة على مراقبة الأوضاع الحقوقية في العالم خلال فترة انتدابها بأنها "خصم" بالمفهوم السلبي للبلد المستعرض، ويبقى الوصف المقبول هو اعتبار هذه الآلية بالمسطرة الترافعية التواجهية يقرر فيها الجميع ما يراه صائبا من ملاحظات وتوجيهات، تدرج في صك عام يسمى "التقرير الختامي".
  ويعتبر الهدف الأخير من اعتماد هذه المنهجية بهذا الشكل، هو رغبة الأمم المتحدة في حل النزاعات سلميا كما هو متوافق عليه في المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة.

ثانيا : آلية الإجراءات الخاصة

  الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان هي آلية رصد شاملة لجميع الحالات الجماعية أو الفردية المتسمة بطابع مخالف لما هو مقرر من بيان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية.
 تمر هذه الآلية عبر مجموعة من المراحل.
الغاية من عرض هذه الإجراءات بشكل موجز وجد مختصر، هو لنعرج على ما هو خاص بالمتابعات الدولية للسلوكيات العقائدية المخالفة لوضعية حقوق الإنسان، كما أن موضوع الدراسة ليس بخصوص الاجراءات الخاصة لرصد وضعية حقوق الإنسان.

ثالثا : آلية الشكاوى

  آلية التظلمات المرسلة، أو آلية الشكاوى، هي إجراء للشكاوى يقوم به الأفراد أو المنظمات غير الحكومة عبر إرسال تظلماتهم إلى مجلس حقوق الإنسان من أجل معالجة الأنماط الثابتة لانتهاكات حقوق الإنسان، والمؤيدة بأدلة موثوق بها، والتي تقع في أي جزء من أجزاء العالم وفي أي ظرف من الظروف.
   ويعالج إجراء الشكاوى البلاغات المقدمة من أفراد أو مجموعات، أو منظمات غير حكومية يدعون أنهم ضحايا انتهاكات لحقوق الإنسان، أو أنهم عاينا مباشرة هذه الانتهاكات.
   وهو إجراء يعزز كذلك أي مبادرة مع الدولة المعينة، من أجل ضمان أن يكون الإجراء محايدا وموضوعيا وفعالا وموجها لخدمة الضحايا، وأن يقدم نتائج للحد من التظلم في أقرب الأوقات بشكل استعجالي.[9]

الفقرة الثانية: التكييف الحقوقي للظواهر الدينية
  القرارات المتخذة من طرف دولة معينة إما أن تأتي في حالة "لفعل إيجابي" بتقرير منهجية مكرسة في عقيدة الدولة الدينية، و إما أن تأتي في حالة "لفعل سلبي" بمنع سلوك عقائدي لديانة أخرى  فوق ترابها.
أولا: حالة الفعل الإيجابي:
     الديانة اليهودية:
  تتجلى هذه الحالة الحقوقية في المناهج التعليمية بإسرائيل ذات المرجعية الدينية، حيث يتم إعتماد مقررات تعليمية تكرس لمظاهر التفرقة والكراهية بين العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، والتي كانت محط انتقاد من إسرائيليين يهود بالدرجة الأولى، حسب ما جاء في مقال منشور بمجلة "Haaretz" بعنوان: [10]"Blame Israel's Schools for the Racism" خصوصا أن نتائج هذه المناهج أنعكست على التنشئة الإجتماعية للأطفال اليهود بشكل سلبي بعدما أصبحوا يصيحون في الأماكن العامة "الموت للعرب".
   يضاف إلى هذا إعتماد السلطات الإسرائيلية لنظامين تعليميين منفصلين أحدها خاص بأطفال فلسطين والآخر خاص باليهود الإسرائيليين كان له إنعكاس سلبي على المستوى التعليمي في حق الأطفال الفلسيطينيين، ومن بين ما جاء في دفوعات السلطات الإسرائيلية حسب تقرير "هيومن رايتس ووتش"[11] أن تعليم الثقافة اليهودية يكون بالأفضلية باللغة العبرية في حين ان اللغة العبرية تعتبر لغة ثانية بالنسبة للعرب، و رغم التبريرات المتعلقة بالنظام العام الخاص بالثقافة اليهودية، كان رد منظمة "هيومن رايتس ووتش" عامة يركز على ضرورة إحترام إسرائيل لبنود إتفاقية الطفل والمواد الواردة بالعهد الدولي المتعلق بالحقوق الثقافية.
       الديانة المسيحية:
  نعرض في هذه الحالة، لما هو مقرر في المناهج التعليمية بالدول التي تعتنق الديانة المسيحية عامة،  يتعلق الأمر بمسألة الكذب على الأطفال المستمد من نبوءات الديانة المسيحية  بخصوص زيارة " سنتا كلوز" لهم ليلة رأس السنة وتقديم الهدايا، ورغم الإنتقادات الشديدة من المجتمع المسيحي لهذه الثقافة الدينية المخالفة لحقوق الطفل، ولحق الآباء في تربية أبنائهم وفقا لقناعتهم الخاصة كما جاء في الفقرة الرابعة من المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية، وما صاحب ذلك من حملات إعلامية تدعو الآباء للكف عن العمل بهذه الكذبة بعدما ثم ملاحظة تأثيراتها النفسية على الأطفال عند معرفتهم أن الأمر متعلق بإعتقادات دينية غير واقعية[12]، فإن موقف الأمم المتحدة كان موقفا سلبيا من هذه الشعيرة الدينية التي تحدث مرة كل سنة، بحيث لا نكاد نجد أي تقرير بخصوص هذه الواقعة، وقد يكون سبب هذا الحياد السلبي لمنظمة الأمم المتحدة نتيجة التكييف الحقوقي للواقعة على أنه يدخل في نطاق الفقرة الثانية من المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عندما نصت على :"يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة.." 
   هذه المادة تعطي سلطة تقديرية للدول بالتدخل عبر قوانينها لفرض ما تراه مساير للنظام العام، والعديد من الآباء ما يزالون يعتقدون بفعالية الفكرة العقائدية في توسيع مخيلة الأطفال وتحضيرها لحب (يسوع)، وأن على من لا يرى في هذا المعتقد الديني ماهو صالح، أن يحمل أبناءه إلى مدارس تعليمية أخرى لا تعتمد مقررات تروي حكايات "سانتا كروز" المسيح.
  لكن نسجل في مقابل ذلك حماس كبير من طرف منظمة الأمم المتحدة، بفرض تعديل المناهج التعليمية للدول الإسلامية التي تتضمن مفاهيم حول منزلة من يدين بغير الإسلام يوم الآخرة، أو جزاء من يخالف حدود الله ووعيده له في الدنيا والآخرة، في مقابل إستمرار إعتماد مقررات تعليمية بالمدارس الدينية بإسرائيل تتضمن تعابير معادية لكل الديانات، إذ نتسائل عن سبب خضوع الدول الإسلامية لتعديل مناهجها عندما تتلقى توصيات أممية ولا تخضع لتوصيات رب العالمين عندما يأمرها بحكمه الموافق للأخلاق العامة المتفق عليها بالمادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفقرة الثالثة من المادة 18 من العهد الدولي؟.
  قوة حجية الطرح المسيحي واليهودي في إعتماد بعض المقررات التعليمية وإن كانت مخالفة ومتعارضة مع ثقافة حقوق الإنسان هو في الواقع مشكل مختلف الأنظمة الحاكمة في العالم التي تعتمد مناهج تعليمية ذات مرجعية دينية بما فيها الإسلام.
  بناء على ما سبق نجد أنفسنا أمام طرحين متناقضين لهما  رؤية مختلفة تماما لمقاربة موضوع حقوق الإنسان في المناهج التعليمية، فهناك الطرح الأممي الدولي الذي يقول بكونية الخطاب حول تلك الحقوق ومن تمة يدعو ضمنيا إلى الأخد بمفهوم المثلث التعليمي كوضعية ديداكتيكية وبالمقابل هناك ديداكتيك العلوم الإنسانية وضمنها "علم التاريخ" الذي يرى ضرورة عدم عزل المدرسة عن محيطها السوسيوثقافي والحضاري، مما يستدعي الأخد بالخصوصية الحضارية والهوية السوسيوثقافية للمجتمعات وهي تقوم بتدريس حقوق الإنسان والتربية[13]

   ثانيا: حالة الفعل السلبي:

  الديانة اليهودية، ديانة هنود السيخ، الإسلام:
    نأخد كمثال على ذلك قرار السلطات الألمانية  بحضر الرموز الدينية والزي الديني للمعلمات ولغيرهن من العاملات بالوظائف العامة، بما في ذلك (الحجاب)، و(عمّة) هنود السيخ، ورداء رأس اليهود (كيباه)، و الذي إستندت فيه السلطة الرسمية على معيار المصلحة العامة المتمثل في حفظ الهوية الوطنية  وضمان بقاء المدارس مُحايدة فيما يخص الدين، الشيء الذي يوجب على المعلمات والموظفات إلتزام الحياد بمناسبة أداء وظائفهم وبألا يظهروا بمظاهر تعرِّف بمرجعيتهم الدينية،  وصرحت "هولي كارتنر" مديرة قسم أوروبا وأسيا الوسطى في "هيومن رايتس ووتش" أن  واجب الحياد يبحث فيه بناء على السلوك الشخصي للمعلم أو الموظف وليس بناء على ما ترمز إليه الملابس الخاصة بدين معين[14].
     لكن مع وجود نقاشات برلمانية ووثائق تفسيرية ورد فيها بوضوح أن الحجاب الإسلامي هو الهدف الأساسي مما ينطوي على التمييز ضد النساء المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب، فقد إعتبرت "هيومن رايتس ووتش" قرار السلطات الألمانية شبيه بقرار السلطات الرسمية لكل من أفغانستان، والمملكة العربية السعودية، وإيران، عندما تُجبر النساء على ارتداء اللباس الديني، والتي نددت به فيما قبل ودعت في توصياتها الموجهة إلى هذه الدول، بواجب الامتثال للشرعية الدولية، إذ كلا القرارين مخالفين لمبدأ "حرية المعتقد الديني" وهو المبدأ المستمد من "معيار الحق الشخصي".
   هكذا يمكن ملاحظة مدى التضارب والتعارض بين "معيار المصلحة العامة" الذي ينتهك مضمون المواد التي تنص على الحرية الدينية المقررة للأفراد، و "معيار الحق الشخصي" الذي ينتهك مضمون المواد التي تمنح حقوق للدولة في المحافظة على النظام العام والأخلاق العامة.
  يمكن إجمالا  الخلاصة إلى ان مسار تعزيز الدولة  والتحديث قد فشل في الإنتقال من الملرحلة الأولى، أي تفكيك البنى التقليدية إلى مرحلته النهائية، أي إعادة البناء على المثال الحديث، وإما ان فرضية التكيف الإجتماعي مع الحداثة غير صالحة للتطبيق في هذا المجتمع الألماني والأوربي.
  لكنني أظن أن المسؤولية الكبرى تكمن في الفهم الخاطئ لدور الدين وإرتباطه بالإجماع الوطني، وقد يتحول سعي الدولة احتواء التأثير السياسي للدنن عن وعي أو غفلة إلى عداء مكتوم للدين نفسه وسعي حثيث على التحكم في النشاط الديني[15]
  كما قد لا نهتدي إلى معيار يضبط "الحق الديني" المكرس للفرد داخل المجتمع لأن مبدأ حرية الدين المستند على "معيار الحق الشخصي" كما يحمي الأقليات الدينية من قرارات المنع الصادرة من السلطات الرسمية داخل دولة معينة، فإنه في الوقت نفسه يحمي من يتراجعون عن إقامة شعائر دينية في أوساط الأغلبية الدينية.
لكن حسب وجهة نظري المساندة لما هو ثابت على أرض الواقع، أن معيار المصلحة العامة في تقييد االحريات الدينية، معياراً يصعب على الدول تبريره إستنادا على الشرعية الدولية، لصعوبة تكييفه على انه حالة حقوقية متعلقة بالمصلحة العامة للبلاد، وليس حالة خاصة بالحريات الفردية.
خاتمة
   نعتقد أن المعيار النهائي لحماية أي حق ديني هو معيار فرض الأمر الواقع لمن له عُدّة القُوّة، فعندما يرتفع الواقع عن القانون يتم إصدار قرارات من سلطات الدول تعتبر قرارات فوق الشرعية الدولية، لكنها في الأخير قرارات ملزمة ونافدة على أرض الواقع، وحتى داخل النظام الداخلي للدول فإن النزاعات التي تتقابل فيها مطالب ذات مصلحة خاصة وأخرى ذات مصلحة عامة فإن المصلحة العامة ترجح على مصلحة الفرد الخاصة،     هكذا تبقى المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفقرة الثالثة من المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أقوى حجية من غيرها من المواد، وإن كان في فلسفة القانون الوضعي لا يوجد تراتبية فيما بين القواعد القانونية الملزمة داخل نظام قانوني واحد.
 قياسا على ذلك قد تتأثر كثيرا الحقوق الدينية للفرد عند مطالبته بحريته الدينية، وقد تنتصر في الغالب الحقوق الدينية للدولة عند إعمالها  لحقها في إصدار قوانين تقيد من حرية الفرد الدينية لتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام و الخلاق العامة.
  وما الضّيف إلا في حكم المُضيف، وما الأقليات الدينية إلا في حكم النظام العام للدولة والهوية التي تدين بها الأغلبية الحاكمة، فالملكة العربية السعودية كنظام له كامل الحق لإتخاد قرارات ضد النساء المسلمات اللواتي يمتنعن عن إرتداء الحجاب، ولألمانيا الاتحادية كامل الحق لإتخاد قرارات ضد النساء المسلمات اللواتي يلتزمن بارتداء الحجاب، وليس لزاما على منظمة الأمم المتحدة أن تلعب دور الدركي الروحي على الدول الغير مصنعة للأسلحة، في مقابل لعب دور حارس الليل ضد اللصوص لدى الدول المصنعة للأسلحة.  
  ضعف حجية مبادئ الأمم المتحدة بدأ يظهر في العلن، وإن كان بشكل محتشم، ففي مقال آخر منشور على الموقع الإلكتروني لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"[16] تعترف فيه على أنها تجد صعوبة بالغة لتقرير موقف حاسم حول مجموع القوانين الداخلية التي صدرت في مجموعة من الدول الأوربية المتعلقة بحضر الرموز والثياب الدينية التي من بينها حجاب المسلمات كما سبق الإشارة، خطاب المنظمة هنا أصبح يعتمد أسلوب أدبي أكثر منه أسلوب تقريري صادر عن هيأة تتمتع بالمصداقية الدولية وبقوة إتحاد مواقفها وفرض توصياتها، ومما جاء في المقال: ( ... يثير هذا الجدل أسئلة يصعب الإجابة عليها، عن العلاقة بين مختلف عناصر الحقوق الأساسية، لا سيما الحقوق المرتبطة بحرية المعتقد الديني وحقوق المرأة، كما يفرض أسئلة عن الدور الملائم للدولة فيما يتعلق بالدين والممارسات التقليدية، ومنها كيفية وموعد ومكان تضييق الحكومات بشكل مشروع على ارتداء الثياب الدينية وعرض الرموز الدينية في الأماكن العامة..).

·                    



[1] عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه. حوار عن بعد حول حقوق الإنسان في الإسلام. مصر. مكتبات و نشر العبيكان. الطبعة اللأولى. 2007. ص 172.
[2] وهبة الزحيلي. حق الحرية في العالم. دمشق. دارالفكر.2000 .  الصفحة35.
[3]  وهبة الزحيلي. حق الحرية في العالم. مرجع سابق. الصفحة 25.
[4]  ساسي سالم الحاج. المفاهيم القانونية لحقوق الإنسان. بيرت-لبنان. دار الكتاب الجديد المتحدة. الطبعة الثالثة 2004. الصفحة 248.
[5] . http://www.ohchr.org/AR
[6] . http://www.ohchr.org/AR
[7] Billing D. and Scott. « Religion and Political Legitimation ». Annual Review of Sociology. Vol. 1994. P.173.
[8] : نسبة إلى رمز في تقاليد روسية، عبارة عن عربة تجرها ثلاثة خيول، و قد استخدم مصطلح الترويكا الذي يعني كذلك في الروسية المجموعة الثلاثية على الخطة الواحدة عام 1960م، التي اقترحها الإتحاد السوفياتي السابق، و هي أن يتولى رئاسة الأمم المتحدة ثلاث أشخاص في منصب الأمين اعام بدلا من واحد.
[9] . البلاغات المراد تناولها بموجب إجراء الشكاوى الخاص بمجلس حقوق الإنسان يمكن توجيهها إلى: 
Complaint Procedure Unit
Human Rights Council Branch 
Office of the United Nations High Commissioner for Human Rights
United Nations Office at Geneva 
CH-1211 Geneva 10, Switzerland 
[10]. http://www.haaretz.com/opinion/.premium-1.611395. Aug 20, 2014 5:22 AM.
[11] https://www.hrw.org/reports/2001/israel2/.  September 2001
[12]. http://edition.cnn.com/2014/12/19/opinion/santa-existence-wallis-simons/ December 19, 2014.
[13]  عبدالسلام السعيدي، قيم حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليمية، الدارالبيضاء، دار الثقافة،2001، صفحة 231
[14] https://www.hrw.org/ FEBRUARY 26, 2009.
[15]  توفيق السيف. حدود الديمقراطية الدينية. بيروت-لبنان. دار الساقي 2008. الصفحة 63
[16] https://www.hrw.org/ar/news/2010/12/20/241465 DECEMBER 21, 2010.