الاثنين، 24 مارس 2014

الرَّاجح و المَرجوح في أحكام مدونة الأوقاف المغربية

 باسم الله الرحمان الرحيم

الرَّاجح و المَرجوح في أحكام مدونة الأوقاف المغربية

                                                                                                                                                                   
                                                                                                                                                                
قراءة قانونية لمدونة الأوقاف
ظهيرشريف رقم 1.09.236 الصادر في 23 فبراير 2010

رغم صدور مدونة الأوقاف سنة 2010 بالجريدة الرسمية غير أنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد  مرور ثلاث سنوات بسبب عدم استكمال الإجراءات اللازمة لضمان حسن تطبيقها، إذ أن المادة 166 من المدونة نصت على أنها لا تدخل حيز التنفيذ إلا ابتداء من تاريخ صدور جميع النصوص المتخذة لتطبيقها، والتي بلغت  12 قرارا تم إعدادها بتعاون مع المجلس الأعلى للمراقبة.

القرارات الاثنى عشر (12) صدرت بالجريدة الرسمية، لتدخل المدونة الجديدة حيز التطبيق بداية هذه السنة، إذ إنه تم إعداد ميزانية للأوقاف للسنة المالية 2014 وتم المصادقة عليها وفق التنظيم المالي والمحاسبي الجديد.

وسنقوم بعرض مجموعة من الملاحظات التي أثارت إنتباهنا بخصوص أحكام هذه المدونة راجين من الله ان نكون ساهمنا بملاحظاتنا هذه في تطعيم مقتظياتها بمزيد من الدقة و الضبط التشريعي.



المواد (24* 33*) و (37* 38* 26*):   حوز المال الموقوف ليس شرطا لصحة الوقف

تنص المادة 24 من مدونة الأوقاف المغربية على أنه: " يشترط لصحة الوقف شرطان: 1- الإشهاد على الوقف؛ 2- حوز المال الموقوف قبل موت الواقف أو إفلاسه..."

و ما يهمنا هنا هو شرط حوز المال الموقوف  الذي يُعتبر بدونه الوقف باطل و إن كان الإشهاد عليه تام و صحيح.

و هذا الشرط تؤكده كذلك المادة 33 حيث تنص: "إذا توفي الواقف قبل أن يحوز الموقوف عليه المال الموقوف حوزا صحيحا، بطل الوقف..."

لكن و جهة نظرنا هنا المساندة لما هو ثابت فقها أن المال الموقوف ينتقل إلى ذمة الموقوف عليه بمجرد الإشهاد عليه سواء بوثيقة رسمية، أو بوثيقة عرفية مصادق على صحة إمضائها لدى السلطات المختصة، وتبقى مسألة بسط السلطة على المال الموقوف من طرف الموقوف عليه و وضعه تحت يده(صورته المادية أو الحسية) أو بتسجيله في الرسم العقاري (صورته الحُكمية)  هي مجرد إجراءات متممة من أجل تسليم محل التصرف.

فلا  يوجد شرط الحوز بالمذاهب الأربعة كما بحثنا، فالرَّاحج  أن الوقف عقد لازم بمجرد ثبوته بأي قول أو فعل دال عليه.

إذ يعتبر الوقف ناجزا و صحيحا في إتجاه الموقوف عليه و لو تخلف شرط الحوز، بل حتى مع عدم و جود أي حالة من حالات الإستغناء عن شرط الحوز المنصوص عليها في المادة 27.

فلكم أن تتأملوا ما معنى شرط:  حوز المال الموقوف  قبل موت الواقف  لكي يعتبر الوقف صحيحا؛
 1- إذا كان حوزه لا يتوقف على إرادة الواقف بأخد إذنه، بل بالأحرى أن يجبر عليه إن امتنع عنه طالما ان الوقف تم الإشهاد على صحته طبقا للقانون. أو كما نصت على ذلك المادة 26 في فقرتها الأخيرة أنه: "لا يتوقف الحوز على إذن الواقف، و يجبر عليه إن امتنع عنه." ؟

و لكم أن تتأملوا ما معنى شرط: حوز المال الموقوف  قبل موت الواقف  لكي يعتبر الوقف صحيحا؛
     2- إذا كان لا يجوز للواقف الرجوع في الوقف و لا تغيير مصرفه أو شروطه بعد انعقاده [ وتمام العقد]، فبالأحرى لو قبله الموقوف عليه و طالب به قبل موت الواقف و إن لم يحزه.؟ أو كما نصت على ذلك المادة 37 في فقرتها الأولى بالقول: " لا يجوز للواقف الرجوع في الوقف و لا تغيير مصرفه أو شروطه بعد انعقاده..." ؟

و لكم أن تتأملوا ما معنى شرط: حوز المال الموقوف  قبل موت الواقف  لكي يعتبر الوقف صحيحا؛
    3-  إذا كانت آثار الوقف تصبح نافذة بمجرد إنعقاد العقد و الإشهاد عليه، أو كما جاء في المادة 38: " ينتج الوقف آثاره بين الطرفين بمجرد انعقاد العقد المتعلق به و الإشهاد عليه،.." ؟

و لنا أن نتأمل إجمالا ما معنى شرط: حوز المال الموقوف  قبل موت الواقف  لكي يعتبر الوقف صحيحا؛
    -   إذا كان لا يجوز للواقف الرجوع في الوقف، الذي تصبح آثاره نافذة بمجرد إنعقاد العقد و الإشهاد عليه، و كان حوزه لا يتوقف على إرادة الواقف بأخد إذنه، بل يجبر عليه إن امتنع عنه ؟.

فإذا أمكن إستحضار مثال واحد أو حالة واحدة يمكن أن يبطل فيها الوقف بعد إتمام العقد و  الإشهاد عليه بسبب أو لعلة؛ عدم حيازة الموقوف عليه للمال الموقوف  يمكن إذ ذاك ان يكون شرط الحيازة شرطا واجبا لصحة العقد كما جاء في المادة 24، لكن يستحيل إفتراض أي حالة لإبطال العقد  و يكون سببها المحض الوحيد هو عدم حيازة الموقوف عليه للمال الموقوف مع وجود أحكام المواد 26 و 37 و 38.

ففي القواعد العامة المتعلقة  بشريعة العقد تعتبر صياغة المادة 24 من مدونة الأوقاف غريبة؛ فالإلتزام  يصبح  باتا و ناجزا في حق المدين  بمجرد تمام العقد بشكل صحيح، و حتى في عقود الهبة التي تستمد احكامها من التشريع الإسلامي، فإن أحكام رفع اليد عن الشيء الموهوب من طرف الواهب و حيازته بوضع الموهوب له يده عليه تعتبر شرط تمام و ليس شرط صحة، و ذلك حتى يتمكن الواهب من الرجوع في هبته التي لم يحزها الموهوب له.
و القضاء في مثل هذه العقود ذات الإرادة المنفردة  يعتد عند إثبات إلتزام المدين (الواقف) ب:
§       تاريخ إنشاء الإلتزام (عقد الوقف) ؛
§       و صيغة الإلتزام في العقد (العبارات الدالة عليه) ؛
§       و وجود إرادة سليمة غير معيبة معبرة عن الإيجاب من الواقف و القبول بالوقف من طرف الموقوف عليه المعين( أو وكيله او نائبه الشرعي)؛
§       و عدم وجود عيب من عيوب الرضى بصفة عامة.
و ليس بما إذا حاز الدائن (الموقوف عليه) محل العقد (المال الموقوف) أم لم يحزه.

وهنا نستنبط  شرطا هاما كان يجب على من صاغ المادة 24 من هذه المدونة أن ينتبه له، و هو شرط القبول، فالمادة 18 صرحت بأن: " لا يكون القبول شرطا لإستحقاق الوقف إلا إذا كان الموقوف عليه شخصا معينا ".

بمعنى أن التعبير عن القبول  من طرف الموقوف عليه المعين هو شرط.

هكذا يمكن أن نصيغ المادة 24 على الشكل التالي:
"يشترط لصحة الوقف:

-         الإشهاد على الوقف، إما بوثيقة رسمية أو عرفية طبقا لمقتضيات المادة 25 بعده؛
-         قبول الموقوف عليه المعين؛ مع مراعات مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 19"
إذا صح ما قلنا فخلاصة وجهة نظرنا هذه هي؛  حوز المال الموقوف ليس شرطا لصحة الوقف، لكن يمكن التنصيص على انه شرط  تمام...




المادة 47:  لُبس عبارة: " و كان الإنتفاع بالوقف مقصورا على شخصه"

  تنص المادة 47  " ينتهي حق الموقوف عليه في إستحقاق المال الموقوف في الحالات الآتية:

-         إذا توفي؛
-         إذا غاب غيبة انقطاع، و كان الإنتفاع بالوقف مقصورا على شخصه؛..

فالأوْلى حذف أو عدم إدراج هذه العبارة الواردة  في البند الثاني  من المادة 47 التي جاءت هكذا " و كان الإنتفاع بالوقف مقصورا على شخصه "

التعليل:  هذه عبارة عامة من المفروض أن تضاف إلى كل الحالات الأربع التي تنهي حق الموقوف عليه في إستحقاق المال الموقوف، فالغاية من صياغة هذه المادة هو وضع شروط  سقوط  حق الموقوف عليه  في إستحقاق المال الموقوف على شخصه الذاتي الفردي، أما إضافة تلك الفقرة التي هي في عمق دلالتها تعني إستثناء ذوي إستحقاق المال الموقوف،  فهذا موضوع احكام تخص الوقف المعقب و المشترك،

 فالفقرة الأخيرة من نفس المادة التي جاءت هكذا: "إذا سقط حق الموقوف عليه في إحدى الحالات السابقة، انتقل الإستحقاق إلى من يليه إن وجد، وإلا عاد الوقف إلى الأوقاف العامة." جاءت شاملة موضحة لمن  سيَؤول المال الموقوف  بعد الحالات الأربع، و أن إنفراد الحالة الثانية المحددة في البند الثاني من هذه المادة  بعبارة تشترط فيها ان يكون الوقف مقصورا على شخصه، قد تُؤوَّل أو تُفسَّر على أن الوقف و إن كان على ذُرِّية أو عليه و على عقبه فإنه يبقى مستحقا للمال الموقوف رغم غيابه غيبة إنقطاع، و هذا طبعا تأويل خاطئ قد تأخد به المحكمة عن غير قصد عند حدوث نزاع قضائي مع وزارة الأوقاف إذا طلبت تحويل المال الموقوف إلى وقف عام و إن كانت المادة 52 صريحة في هذا الحكم، لأن تضارب مقتضياتها مع المادة 47 يحدث لبسا كان من الممكن تجنبه لولا هذه العبارة.

هذا من جهة من جهة أخرى و جب التنبيه إلى ضرورة وضع منهجية تقسيم أبواب المدونة بشكل منسجم يتجنب تشتيت الأحكام. فالحالات التي تنهي حق الموقوف عليه  في إستحقاق المال الموقوف أكثر من أن نحددها على سبيل الحصر في أربع حالات، و يمكن إستجلاء بعض الحالات لتأكيد وجهة نظرنا المتواضعة هذه؛

1.    إذا كان الوقف (مؤقتا)... المادة (23)
2.    إذا لم يتقيد الموقوف عليه بشروط الواقف  المشروعة، و عدم الوفاء بها... المادة (34)
3.    إذا إشترط الواقف في عقد الوقف الرجوع عنه عند إفتقاره (شرط فاسخ)...المادة (37)
4.    إذا فوت الموقوف حق الإنتفاع به إلى الغير، عندما لا يكون حق الوقف مقصورا على شخصه... المادة (40)
5.    إذا ثبت بحكم قضائي نهائي بات أن العقار الذي يدَّعي صاحبه أنه موقوف له  وقفا خاصا بعد نزاع قضائي مع إدارة الأوقاف أنه موقوف وقفا عاما.المادة (54)

فالمفروض أن تُضمَّن هذه الأحكام في فصل خاص بها لأهميتها حتى لا تبقى مشتتة  تجهد الباحث و القاضي في إستنباط أحكام الوقف من مواد المدونة بمناسبة البحث في موضوع معين.



المادة 54 و 58:  الوقف المعين لجهة خاصة هو مصدر من المصادر المنشئة للوقف العام

إسثتناء من المقتضيات المنظمة لأحكام العقار تجيز هذه المادة للقاضي النظر في كل  دعوى ترمي إلى إثبات صفة الوقف العام و إن كان محل النزاع  مؤسس برسم عقاري لفائدة الغير.

و الملاحظ  ان هذا الأمتياز؛ برفع دعوى قضائية لإثبات صفة الوقف العام على عقار و إن كان محفظا، أي عدم التشبت بقاعدة التطهير الناتجة عن التحفيظ العقاري،  لا تشمل الوقف المعين لجهة خاصة مشتركا كان أو معقب، رغم أن هذا من ذاك كما يقال.

فإذا أمكن تعريف ما هو "الوقف العام"  فلا مناص من بسط نشأته على  وجهين:

 الأول؛  هو ما جاء في المادة 50 عندما يعين الواقف الموقوف عليه ابتداء لوجوه البر و الإحسان و تحقيق منفعة عامة.
و الثاني؛ هو ماجاءت به المادة 52 عندما يَؤُول الوقف على جهة خاصة إلى الأوقاف العامة بعد إنقطاعه.

فمطلبنا بتمديد هذا الإمتياز بإعطاء الحق للمحكمة  بالنظر كذلك في الدعاوى المرفوعة  أمامها على عقار محفظ لإثبات صفة الوقف الخاص ، إنما هو في عمقه و جوهره سعي لإثبات أن محل أو موضوع النزاع هو وقف عام مفترض مستقبلا طالما أن هناك إمكانية وقوع إحدى الحالات التي تنقله من صفة و قف خاص إلى وقف عام، كتلك الواردة في:
·       المادة 12 عندما يتوفى الواقف دون تعيين الموقوف عليه؛
·       أو تلك الواردة  بالمادة 19 عندما يرفض الموقوف عليه المعين القبول بالوقف؛
·       أو تلك الواردة بالمادة 33 عندما يتوفى الموقوف عليه قبل حيازته للمال الموقوف و لا يوجد من يليه  في إستحقاقه؛
·       أو تلك الواردة بالمادة 47 عندما يسقط حق الموقوف عليه في إستحقاق المال الموقوف و لا يوجد من يليه في إستحقاقه؛
·       أو تلك الواردة بالمادة 52 عندما ينقطع الوقف بانقراض الجهة الموقوف عليها؛
·       كما تستحق إدارة الأوقاف العامة طبقا للمادة 128 نسبة الثلث من الوقف المعقب الذي تم تصفيته؛
·       هذا و يخضع الوقف المشترك لنفس الأحكام المطبقة على الأموال الموقوفة و قفا عاما، طبقا للمادة 129.

فالوقف المعقب أو المشترك حسب هذه المواد هو مصدر منشئ  للوقف عام، كما أنه أحد المصالح التي ترعاها وزارتكم إذا علمنا أن هناك "مصلحة الأحباس المعقبة" بقسم المحافظة على الأصول الوقفية.

فهذه حالات ينشأ أو يتأسس بها الوقف العام بعدما يكون مصدره إبتداءً وقف على جهة خاصة قبل أن يؤول إلى وقف عام.

فكل ضياع لحق على وقف خاص نتيجة عدم إمكانية رفع دعوى قضائية ضد عقار محفظ هو ضياع لحق على وقف عام مفترض.

و عليه نقترح هنا بالإضافة إلى إمتياز قبول البت في دعوى إثبات وقف عام على عقار محفظ قبول البت في دعوى إثبات الوقف على جهة خاصة، و لأجل ذلك  نوصي  بالتنصيص وجوبا على إدخال وزارة الأوقاف في كل دعوى بهذا الخصوص بإعطائها حق إستعمال التعرض الخارج على الخصومة طبقا للمادة 144 من قانون المسطرة المدنية،  وذلك إستنادا على المادة 2 من مدونة الأوقاف التي تنص : "يعتبر النظر في شؤون الأوقاف العامة من صلاحيات جلالتنا الشريفة بصفتنا أمير المؤمنين. و يقوم بهذه المهمة تحت سلطتنا المباشرة وزيرنا في الأوقاف و الشؤون العامة..."



المادة 93 :  مبدأ التقاضي على درجتين مبدأ دستوري

للشخص الحق في أن ينظر النزاع مرتين، مرة أمام محكمة أول درجة، وأخرى أمام محكمة ثاني درجة، وهذا مبدأ أساسي من مبادئ النظام القضائي، و لا تستثنى منه قضية  إلا بمعيار التحديد القيمي.

إن تقرير حق إستثنائي لفائدة السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف بمنحها إمتياز غير ذلك المقرر لفائدة الأشخاص العاديين لأسباب تقتضيها خصوصية الوقف و أهميته يعتبر إمتياز معقول و مألوف في معظم الأنظمة الخاصة بدول العالم. لكن ليس لها ان تتعدى  نطاق مصلحتها الخاصة لتلغي ما هو مكفول دستوريا من حق المتقاضي في التقاضي على درجتين و من جهة واحدة،  ضربا في أحد الخصائص الأساسية التي يجب أن تتصف بها القاعدة القانونية و هي خاصية "العمومية و التجريد" التي إنعدمت في المادة 93 بالقول: "تكون الاحكام و الأوامر القضائية الصادرة لفائدة الأوقاف العامة في النزاعات المتعلقة بكراء الأملاك الحبسية نهائية. و لايجوز للمكتري الطعن فيها بالإستئناف."

فهذه المادة ليست بقاعدة قانونية عامة و لا مجردة لأن هذا المقتضى يكون محرجا لإدارة الأوقاف عندما يُعطى لها حق إستئناف الحكم الذي صدر إبتدائيا  ضدها  وقد منعته على من يمارسه ضدها في نفس محل الدعوى.

فحتى لو سلَّمنا بأحقية إلغاء التقاضي على درجتين في هذه المدونة فإنه وجب صياغة المادة هكذا: " تصدر الأحكام و الأوامر في الدعاوى المتعلقة بالأوقاف العامة حول كراء الأملاك الحبسية إبتدائيا و إنتهائيا" .

فهناك ثلاث خصائص متى ما توفرت في أي قاعدة يمكن اعتبار تلك القاعدة قاعدة قانونية، و هي:

-         أن تكون سلوكية
-         أن تكون عامة و مجردة
-          ان تكون ملزمة
فهذا مقتضى غير دستوري و غير قانوني، و حتى العلة من تقريره منعدمة و غير مبررة. فإذا كنا على ثقة في قضائنا، و على ثقة في الأدلة و المستندات و الوقائع المادية التي تعزز الحق، فلا خوف إذن من إستئناف الحكم ضد الإدارة المدعى عليها.

و هو مقتضى غير دستوري و غير قانوني، و العلة من تقريره منعدمة و غير مبررة، لأن الدعوى المستأنفة ضد إدارة الأوقاف و إن كانت توقف التنفيذ الذي صدر إبتدائيا لفائدتها، فليس معناه ضياع حقوقها المالية التي ستستحصلها مجتمعة مع التعويض بمجرد تأييد الحكم الإبتدائي، فلا مصوغ إذن لإستثناء مبدأ آمر مقرر في الدستور.

فقد جاء في المادة 58 انه: "يمكن الطعن بإعادة النظر في الأحكام القضائية الصادرة في الدعاوى المتعلقة بالوقف العام متى قامت حجية على حبسية المدعى فيه، و ذلك داخل اجل خمس(5) سنوات من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا."
و كما هو واضح  من هذه المادة  فالسلطة الحكومية المكلفة  بالأوقاف منحت لنفسها إمتياز السلطة العامة الذي قد لا نستطيع المجادلة فيه، و الذي يقوم كما قلنا على إعتبارات معقولة احيانا تراعي المصلحة العامة للوقف، و هو في هذا المقام إمتياز يسمح بالطعن  بإعادة النظر (كإحدى طرق الطعن غير العادية)، إذ يمتد إلى خمس سنوات بعد التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا.

هذا الإمتياز يجعل من الصياغة الواردة  بالمادة 93 عند مقارنتها بمضمون المادة 58  كما لو أننا امام مصدرين قانونيين  لمبدأ التقاضي على درجتين.!



المادة 96: عدم واقعية المادة في بعض تطبيقاتها

نصت المادة 96: " يحق لإدارة الأوقاف إنهاء عقد كراء الأملاك الوقفية غير الفلاحية في الحالتين التاليتين:

-         إذا إحتاجت إلى العين المكراة لإقامة مؤسسة ذات صبغة دينية أو علمية أو إجتماعية أو إدارية؛
-         إذا كان الغرض إعادة بناء العين المكراة أو إدخال تغييرات هامة عليها..."

فحتى تكون مضامين مدونة الأوقاف منسجمة مع الواقع الإجتماعي و مع بعض النصوص القانونية المؤطرة لبعض الأنظمة، فإنه على سبيل الحصر فيما يخص معالجة صعوبات المقاولة المتعثرة في دورتها الإقتصادية، قد نص المشرع في الباب الخامس من مدونة التجارة على مساطر خاصة  قد لا تستطيع وزارة الأوقاف مخالفتها هكذا بنص خاص كما جاء في المادة 96، و ذلك لأن واقع هذه الحالات التي تعرفها المقاولة يرتفع عن واقع القانون بالمنطق، بحيث إذا كان المحل المكترى معد لإستعمال حرفي أو تجاري، فإنه يستحيل على إدارة الأوقاف إنهاء عقد كراء الأملاك الوقفية و إن كان الحق في الكراء لا يمكن إكتسابه من طرف المكتري  بناء على المادة 4 من ظهير الكراء التجاري 1955، أو المادة 90 من مدونة الأوقاف.

فطالما أن مدونة الأوقاف لا يوجد بها أي نص قانوني يمنع على المكتري إستعمال المحل المكترى الموقوف و قف عام لغرض حرفي أو تجاري، فإنه و إن كانت المقاولة مقامة على ملك وقفي مكترى له إسثتناءاته و طالما أنها مستمرة في نشاطها الإقتصادي و مرتبطة مع أجراء بعقد شغل له آثار ذات طابع معيشي، فإن المادة 96 في هذه الحالة مجرد إحتواء لا غير.

أكثر من ذلك، أن المقاولة المتعثرة في نشاطها الإقتصادي متى تم فتح حكم مسطرة المعالجة في حقها، لا يمكن لإدارة الأوقاف فسخ العقد مع المقاولة المكترية، و لا إلزامها بأداء الديون غير المستحقة من السومة الكرائية.

فالمادة 653 من مدونة التجارة تنص على: "يوقف حكم فتح المسطرة و يمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون اصحاب ديون نشأت قبل الحكم الذكور ترمي إلى:

-         الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال؛
-         فسخ العقد لعدم أداء مبلغ من المال..."
و قد كان على اللجنة التي صاغت المادة 96، ان تستدرك إحتمال ضياع حقها في  فسخ عقد الكراء و ذلك بإضافة قيد آخر على المكتري تلزمه فيه ب: عدم إعداد أو إستعمال المحل المكترى للقيام بنشاط تجاري أو حرفي أو مهني، حتى لا يكون كراء المحل الموقوف كراء لمدة طويلة، و هذا أقرب إلى ما إتفق عليه فقهاء المسلمين بخصوص عدم إجارة الموقوف لمدة طويلة ولو بعقود مترادفـة، وذلك لأن المدة الطويلة قد تؤدي إلى إبطـال الوقف الذي يصبح معه المكتري كما لو أنه مالك للحق في الكراء، مما يحيد عن مصلحة الوقف الأصيلة.



   المادة 104 و 105 و 106: عدم مطابقة المواد لأحكام الفقه المالكي المستمد من الشريعة  الإسلامية.

لقد أمر جلالة الملك بمناسبة إعداد و صياغة هذه المدونة بوضع منظومة قانونية جديدة تمكن من تأطير الوقف تأطيرا قانونيا حديثا يمكنه من مواكبة التحولات الشاملة التي تعرفها بلادنا، ويراعي في نفس الوقت خصوصيته المستمدة من أحكام الفقه المالكي المستمد من الشريعة  الإسلامية، إلا أن أحكام هذه المواد بخصوص ما قررته على الحقوق العرفية التي تجد مصدرها في الأعراف الإسلامية و المتمثلة في حق الزينة و الجلسة و الجزاء و الهواء، قد تم تصفيتها بشكل يخالف إرادة صاحبا المنتزعة منه.

فقد جاء في المادة 104: " لا تشمل الحقوق العرفية المنشأة على املاك وقفية عامة الحق في الهواء، و يعتبر هذا الأخير حقا خالصا للأوقاف العامة"

وكتفسير للمادة؛ فإن الواقف الذي يوقف ملك عقاري لوجه الله بأن تخصص منفعته في تحقيق مصلحة دينية او اجتماعية لعامة المسلمين، و حدث أن كان هذا العقار الموقوف مثقل بحق الهواء، فإن الغير مالك هذا الحق العرفي ينقضي حقه بمجرد الإشهاد على الوقف طبقا للقانون.

وهذا حكم غريب دخيل على أحكام الفقه الإسلامي.

حق الهواء ليس غريبا عن فقهاء المالكية حيث عرفوه منذ زمن طويل فقد جاء في تحفة ابن عاصم الأندلسي: (وجائز أن يشتري الهواء *** لن يقام معه البناء).

وربما كان على الأقل من باب الإستحسان جعل حق الهواء مشمولا هو كذلك بأحكام المادتين 105 و 106 وعد إخراجه من هذه المقتضيات بتنظيمة بمادة خاصة به.

فإذا كانت الحقوق العرفية المنشأة على وقف عام تنقضي حسب مدونة الأوقاف إما:

§       بهلاك البناءات أو المنشآت أو الأغراس المقامة فوق الأملاك الوقفية والعائدة إلى صاحب الحق العرفي؛
§       بعدم أداء صاحب الحق العرفي للوجيبة الكرائية لمدة سنتين متتاليتين؛
§       بتصفية هذه الحقوق بشراء الأوقاف للحق العرفي أو بشراء صاحب الحق العرفي لرقبة الملك الوقفي أو ببيع الرقبة والحق العرفي بالمزاد العلني؛
§       بمرور عشرين سنة ابتداء من دخول المدونة حيز التنفيذ.

فإن حكم إنقضائها بأثر فوري بمجرد الإشهاد على الوقف يعتبر كذلك حكم،  لكن ما قولنا في الوقف المؤقت المثقل بهذا الحق؟! فقد تُستغَل مقتضيات المادة 104 بسوء نية لتطهير العقار من حق الهواء إلى حين إنتهاء مدة الوقف فيسترجع الواقف عقاره صافيا، و هكذا قد يكون حتى في إكراه الغير صاحب حق الزينة أو الجلسة أو الجزاء في الخيار بين بيع حقه بالسومة التي تحددها إدارة الوقف أو شراءه لرقبة الملك الوقفي حسب ما هو مقرر في  المادة 106. 

فالثابت شرعا أن الوقف لا يباع ولا يشترى ولا يوهب ولا يرهن ولا يورث؛ فإن كان شجرة مَلَك الموقوف عليه ثمارها ولا يملك أغصانها،  وإن كان الموقوف بهيمة مَلَك صوفها ووبرها ولبنها قطعا، ولا يجوز ذبح البهيمة الموقوفة لأكلها وإن خرجت عن الانتفاع، و بَسْط هذا المثال في هذا المقام هو لإظهار غرابة إجازة بيع رقبة الملك الوقفي من طرف إدارة الأوقاف طبقا للمادة 106 من مدونة الأوقاف. فلو إنصرفت إرادة الواقف لإجازة بيع وقفه لفعل قبل وقف ثمنه.


فالوقف من العقود اللازمة بمجرد القول، فلا يجوز فسخها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث ) قال الترمذي : " العمل على هذا الحديث عند أهل العلم " .

و إذا سلمنا بوجوب التقيد بشروط الواقف المشروعة طبقا لأحكام هذه المدونة، فإن إستخلاص أو إستنباط الشرط من نية الواقف المتمثلة في منفعة العامة لوجه الله،  هي نية  لا تستقيم  بحُسن منه إذا كان يعلم أن الحق العرفي المنشأ على وقفه سيكره مالكه بعده على بيعه أو شراء رقبته.

و إذا أخدنا بالإستثناء الوارد بالمادة 42 من مدونة الأوقاف التي تخاطبنا بأنه إذا تعلق الوقف بأرض، فإنه يشمل الأرض و كل البنايات و الأغراس الموجودة فوقها إلا إذا وجد عرف يقضي بخلاف ذلك، فإن حق الهواء يعتبر من الحقوق العينية العرفية التي تقضي بخلاف ما هو مقرر في المادة 104، و التي استقر العمل بها بالمغرب منذ زمن طويل، وهو كما يعلم المهتمين حق عيني أصلي يعطي لصاحبه نفس الحقوق التي تمنحها باقي الحقوق العينية الأصلية الأخرى.

فإذا صح هذا التعريف فإن أحكام المادة 104 يجب مراجعتها و ملائمتها مع احكام المادة 138 إلى 141 من مدونة الحقوق العينية، و 483 من قانون الإلتزامات و العقود المغربي.



المادة 23 و 37: من شروط الوقف التنجيز و التأبيد

 اشترط جمهور العلماء دوام الانتفاع بالعين، فليس للواقف الرجوع في شىء أوقفه و لا  ردُّه  إلى مِلكه؛ أي لا يجوز أن يكون الوقف معلَّق ولا مؤقت.

 لذلك لا يصح الوقف المعلق على شرط فاسخ، على خلاف ما جاءت به المادة 37  بأن يشترط الواقف في عقد الوقف الرجوع عنه عند إفتقاره، لأن الوقف فيه معنى تمليك المنافع والغلة، والتمليكات يبطلها التعليق، فمن شروط الوقف التنجيز.

إن جواز الرجوع عن الوقف هو قول الإمام أبى حنيفة منفردا، و ليس لللإمام مالك في هذا من  شيئ.

كما لا يصـح أن يَقِفَ الواقِفُ المَوْقوف مؤقتا، كما جاء في المادة 23 بأن يقول: أرضي وقف سنة أو شهرا أو ما أشبه ذلك، وذلك لأن الواقف أخرج الموقوف عن ملكه على وجه القربة، ولا يجوز أن يرجع فيما أخرجه لله، فمن شروط الوقف التأبيد.

و إن كان التأبيد فى فقه المالكية ليس شرطا فى صحة الوقف، فإنما قصده رجوع/عود  الوقف إلى ملك الواقف أو ورثته بعد انقطاع جهته

هذا من جهة، ثم كيف تكون مسطرة رجوع المال الموقوف للواقف بعد حدوث الشرط الفاسخ أو إنتهاء مدة الوقف؟ ما أثر رجوع الوقف على  الواقف و الموقوف عليه و الغير؟، فالأولى أن يدرج بالمدونة فرع ينظم هذه المسطرة لأهميتها.

إن مضامين المادتين أقرب لأحكام الهبة منهما إلى أحكام الوقف.  و الله أعلم